التفاسير

< >
عرض

وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ
٥
-الرعد

التبيان الجامع لعلوم القرآن

في الكوفي. وفي المدنيين والبصري آيتان تمام الاولى قوله { لفي خلق جديد }.
قرأ ابن عامر وابو جعفر { إذا } بهمزة واحدة على الخبر. الباقون بهمزتين على الاستفهام. وحقق الهمزتين اهل الكوفة وروح. وقرأ نافع وابن كثير وابو عمرو ورويس بتخفيف الاولى وتليين الثانية. وفصل بينهما بالف نافع الا ورشاً وابو عمرو. واما { إنا } فقرأه بهمزة واحدة على الخبر نافع والكسائي ويعقوب. الباقون بهمزتين على الاستفهام. وحقق الهمزتين ابن عامر وعاصم وحمزة وخلف الا ان هشاما يفصل بينهما بالف. وقرأ ابن كثير وابو عمرو، وابو جعفر بتحقيق الاولى وتليين الثانية إلا ان ابا عمرو وابا جعفر يفصلان بينهما بالف، وابن كثير لا يفصل. وكذلك اختلافهم في الموضعين في (سبحان) وسورة المؤمنين والسجدة ولقمان. والثاني من اللذين في الصافات. وما سوى ذلك من الاستفهامين يذكر في موضعه ان شاء الله قال ابو علي الفارسي من قرأ (أإذا، أإنا) بالاستفهام فيهما، فموضع (اذا) نصب بفعل مضمر يدل عليه قوله { أءنا لفي خلق جديد } لان هذا الكلام يدل على نبعث ونحشر، فكأنه قال أنبعث اذا كنا تراباً. ومن لم يدخل الاستفهام في الجملة الثانية كان موضع (اذا) نصباً بما دل عليه قوله { انا لفي خلق جديد } فكأنه قال انبعث اذا كنا تراباً، وما بعد (ان) لا يعمل فيما قبله بمنزلة الاستفهام، فكما قدرت هذا الناصب في (اذا) مع الاستفهام، لان الاستفهام لا يعمل ما بعده فيما قبله كذلك نقدره في (إنا) لان ما بعدها ايضاً لا يعمل فيما قبلها. وقراءة ابن عباس { اذا كنا تراباً } على الخبر (أإنا) على الاستفهام ينبغي ان يكون على مضمر كما حمل ما تقدم على ذلك، لان بعد الاستفهام منقطع مما قبله. فاما ابو عمرو، فأنه يفصل بين الهمزتين بألف، كما يفصل في { أأنذرتهم } وكما يفصل بين النونات في (اخشينان) ويأتي بعد ذلك بالهمزة بين بين، وليست (يا) ياء محضة، كما ان الهمزة في السائل ليست ياء محضة، وانما هي همزة بين بين، وابن كثير ان اتي بياء ساكنة بعد الهمزة من غير مد فليس ذلك على التخفيف القياسي، لانه لو كان كذلك، لوجب ان يجعل الهمزة بين بين، كما فعل في سم في المتصل وفي اذ قال ابراهيم - في المنفصل لذلك، ولكنه يبدل من الهمزة ابدالاً محضاً كما حكى سيبويه انه سمع من العرب من يقول (بئس) وقد جاء في الشعر يومئذ على القلب.
مدح الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم تعجُّبه من الكفار في عبادتهم ما لا يملك لهم نفعاً ولا ضرّاً. ثم اخبر ان هذا موضع العجب، وذمهم بعجبهم من اعادتهم ثانية مع علمهم بالنشأة الاولى، وفيما بين الله تعالى من خلق السموات والارض، وما بينهما من عجائب افعاله التي تدل على انه قادر على الاعادة، كما دلت على الانشاء، لان هذا مما ينبغي ان يتدبره العاقل، وقد قيل: (لا خير فيمن لا يتعجب من العجب وأرذل منه المتعجب من غير عجب) والعجب والتعجب واحد. وهو تغير النفس بما خفي سببه عن الكافر وخرج عن العادة، فهؤلاء الجهال توهموا انهم اذا صاروا تراباً لا يمكن ان يصيروا حيواناً. والذي انشأهم اول مرة قادر ان يعيدهم ثانية.
ثم اخبر تعالى عنهم، فقال: هؤلاء هم الذين جحدوا نعم الله، وكفروا بآياته ودلالاته، وهم الذين يحشرهم الله يوم القيامة، والاغلال في اعناقهم. والغل طوق يقيد به اليد في العنق، وأصله الغل في الشيء إذا انتسب فيه. وغل: اذا خان بانتسابه في مال الحرام والاعناق جمع عنق، وهو مغرز الرأس. وقيل ان المعنى في ذلك انهم يؤاخذون بأعمالهم، وهي الاغلال، كما قال
{ اذ الأغلال في أعناقهم } فكأنهم بمنزلة من الغلّ في عنقه لما لزمهم من الكفر به، فقال و { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } اخبار منه تعالى انهم بعد الغل في اعناقهم يجعلون في النار مؤبدين فيها معذبين بأنواع العذاب.