التفاسير

< >
عرض

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ٱلْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٦
-الرعد

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هؤلاء الكفار يطلبون منك ما يسوؤهم ان يعجل لهم، كما قالوا { أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم } قبل ان يسألوا الاحسان بالانتظار لهم، وقد حكم الله تعالى ان يمهلهم التوبة. ثم يأخذ من أقام على القبح بالعقوبة. والاستعجال طلب التعجيل، والتعجيل تقديم الشيء قبل وقته الذي يقدر له. والسيئة خصلة تسوء النفس، ساءه يسوءه سوءاً، وهو ساء وهي سايئة وسيء وسيئة قال الشاعر:

ولا سيء يردي إذا ما تلبسوا الى حاجة يوماً مخلسه بزلا

والحسنة خصلة تسر النفس وقد يعبر بهما عن الطاعة، والمعصية.
وقوله { خلت من قبلهم المثلات } أي مضت بانقضائها كمضي اهل الدار عنها، يقال: خلت الديار بهلاك أهلها وخلوهم بخلو مكانهم منها، والمثلات العقوبات التي تزجر عن مثل ما وقعت لاجله واحدها مثلة مثل سمرة وصدقة، وفي الجمع سمرات وصدقات، ويقال مثلت به أمثل مثلاً بفتح الميم وسكون الثاء، وأمثلته من صاحبه إمثالاً إذا قصصته منه وتميم تقول: مثلة على وزن غرفة، ثم قال { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } على وجه الاخبار عن نفسه بالرحمة بخلقه والتفضل عليهم بأنه يغفر للناس على كونهم ظالمين وذلك يدل على بطلان قول من قال إن اصحاب الكبائر لا يجوز ان يعفو الله عنهم إلا بالتوبة، لانه تعالى لم يشرط في ذلك التوبة ومن شرط في الآية التوبة اوخصها بالصغائر كان تاركاً للظاهر.
وقوله { وإن ربك لشديد العقاب } اخبار منه تعالى بأنه كما يغفر تارة مع الظلم، كذلك قد يعاقب مع الاصرار عذاباً شديداً فلا تغتروا بذلك ولا تعولوا على مجرد العفو لانه يجوز ان لا يعفو.