التفاسير

< >
عرض

الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ
١
ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ
٢
-إبراهيم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

ثلاث آيات في المدنيين آخر الاولى. قوله { إلى النور } وآيتان عند الباقين.
قرأ ابن عامر ونافع { الله الذي } بالرفع. الباقون بالخفض. قال ابوعلي: من قرأ بالجر جعله بدلاً من الحميد، ولم يكن صفة، لان الاسم وان كان في الأصل مصدراً، والمصادر يوصف بها كما يوصف بأسماء الفاعلين، وكذلك كان هذا الاسم في الاصل (الألاه) ومعناه ذو العبادة اي تجب العبادة، قال ابو زيد: يقال تألّه الرجل إِذا نسك وأنشد لرؤبة:

سبحن واسترجعن من تألُّهي

فهذا في أنه في الاصل مصدر قد وصف به مثل السلام والعدل، الا ان هذا الاسم غلب حتى صار في الغلبة وكثرة الاستعمال كالعلم، وقد يغلب ما في اصله الصفة فيصير بمنزلة العلم مثل قول الشاعر:

والتيم ألأم من يمشي وألأمهم ذهل بن تيم بنو السود المدانيس

يجوز أن يكون جعل التيم جمع تيميّ كيهودي ويهود. وعلى هذا قال تعالى وقالت اليهود، ألا ترى أن (يهود) قد جرى في كلامهم إِسماً للقبيلة، كما أن (مجوس) كذلك، فلولا أن المراد بهما الجمع، لم يدخلهما الألف واللام، كما لا يدخل المعارف في نحو زيد وعمرو، إِلا انه جمع بحذف اليائين اللتين للنسب، كما جمع شعير وشعيرة بحذف التاء، ومثله (رومي) وروم و (زنجي) وزنج.
ومن رفع قطع عن الاول، ورفعه بالابتداء، وجعل (الذي) الخبر، او جعله صفة وأضمر الخبر. وقد بيّنا معاني الحروف المقطعة في أوائل السور في أول البقرة، وذكرنا اختلاف المفسرين فيه، فلا فائدة في اعادته.
وقوله { كتاب أنزلناه إِليك } رفع على انه خبر الابتداء، ومعناه هذا كتاب يعني القرآن أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم { ليخرج الناس من الظلمات إِلى النور } أي ليخرجهم من ظلمات الكفر والضلالة الى نور الايمان والهداية.
والظلمة في الأصل سواد الجو المانع من الرؤية تقول أظلم إظلاماً وظلاماً وظلمة. والظلمة ذهاب الضياء بما يستره، والنور بياض شعاعيّ تصح معه الرؤية، ويمنع معه الظلام, ومنه النار لما فيها من النور. والنور والضياء واحد.
وقال قتادة { من الظلمات إلى النور } من الضلالة الى الهدى { بإِذن ربهم } اي باطلاق الله ذلك، وأمره به نبيه صلى الله عليه وسلم { إلى صراط العزيز الحميد } أي يخرجهم من ظلمات الكفر إِلى طريق الله المؤدي إِلى معرفة الله { العزيز } يعني القادر على الأشياء الممتنع بقدرته من أن يضام، المحمود في أفعاله التي أنعم بها على عباده، الذي له التصرف في جميع ما في السماوات والأرض، على وجه ليس لأحد الاعتراض عليه.
ثم اخبر تعالى أن الويل للكافرين الذين يجحدون نعم الله ولا يعترفون بوحدانيته. والاقرار بنبيه صلى الله عليه وسلم { من عذاب شديد } وهو ما تتضاعف آلامه، والشدة تجمع يصعب معه التفكك، شدّه يشدّه شدّاً وشدّة.
وفي الآية دلالة على ان الله يريد الايمان من جميع المكلفين، لأنه ذكر أنه أنزل كتابه ليخرج الناس من ظلمات الكفر الى نور الايمان، لأن اللام لام الغرض، ولا يجوز أن يكون لام العاقبة، لانها لو كانت كذلك، لكان الناس كلهم مؤمنين والمعلوم خلافه.