التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَٱلَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ ٱللَّهُ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوۤاْ أَيْدِيَهُمْ فِيۤ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوۤاْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ
٩
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
١٠
-إبراهيم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

آيتان في الكوفي وثلاث آيات في المدنيين والبصري تمام الأولى قوله { وثمود }.
قيل فيمن يتوجه الخطاب اليه في قوله { ألم يأتكم نبؤا } قولان:
احدهما - قال الجبائي: إِنه متوجه الى امة النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا بأخبار من تقدم وما جرى من قصصهم.
والثاني - قال قوم: إِنه من قول موسى (ع) لأنه متصل به في الآية المتقدمة يقول الله لهم { ألم يأتكم } اي اما جاءكم اخبار من تقدمكم. والنبأ الخبر عما يعظم شأنه يقال: لهذا الامر نبؤ اي عظم شأن يقال انبأ ينبىء، ونبَّأت أنبّىء، وبنأ الله محمداً اي جعله نبياً، وتنبأ مسيلمة اي ادعى النبوة، وليس هو كذلك. و { قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم } كل ذلك مجرور بأنه بدل من الكاف والميم في قوله { قلبكم } وهو مجرور بالاضافة.
وقوله { لا يعلمهم إِلا الله } اي لا يعلم تفاصيل أحوالهم وما فعلوه، وفعل بهم من العقوبات، ولا عددهم { إلا الله } ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم
"كذب النسابون" .
وقوله { جاءتهم رسلهم بالبينات } اي اتتهم رسلهم بالدلالات الواضحات { فردوا أيديهم في أفواههم } وقيل في معناه خمسة اقوال:
احدها - قال عبد الله بن مسعود، وابن زيد: انهم عضوا على اناملهم تغيظاً عليهم في دعائهم الى الله، كما قال
{ عضو عليكم الأنامل من الغيظ } }. وثانيها - قال الحسن: جعلوا أيديهم في افواه الانبياء تكذيباً لهم ورداً لما جاؤوا به.
الثالث - قال مجاهد ردوا نعمتهم بأفواههم.
الرابع - قال قوم: يحتمل ان يكونوا ردوا أيدي أنفسهم في أفواه نفوسهم مومئن لهم اي اسكتوا عما تدعونا إِليه، كما يفعل الواحد منا مع غيره إِذا أراد تسكيته. روي ذلك عن ابن عباس ذكره والفراء.
وخامسها - قال قوم: ردوا ما لو قبلوه، لكانت نعمة عليهم في افواههم اي بأفواههم والسنتهم، كما يقولون ادخلك الله بالجنة يريدون في الجنة وهي لغة طي، قال الفراء: انشدني بعضهم:

وارغب فيها عن لقيط ورهطه ولكنني عن سنبس لست ارغب

فقال (ارغب فيها) يريد بها يعنى بنتاً له، يريد: ارغب بها عن لقيط، ولا ارغب بها عن قبيلته. وقوله { إنا كفرنا بما أرسلتم به } حكاية ايضاً عما قالوا للرسل فإِنهم قالوا: إِنا قد كفرنا بما ارسلتم به من الدعاء الى الله وحده وتوجيه العبادة إِليه، والعمل بشرائعه { وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب } والريب اخبث الشك المتهم، وهو الذي يأتي بما فيه التهمة؛ ولذلك وصفوا به الشك اي انه يوجب تهمة ما اتيتم به يقال: اراب يريب إِرابة إِذا أتى بما يوجب الريبة، فقالت لهم حينئذ رسلهم { أفي الله شك } مع قيام الأدلة على وحدانيته وصفاته، لانه الذي خلق السموات والارض يدعوكم الى عبادته ليغفر لكم من ذنوبكم اذا أطعتموه.
ودخلت (من) ها هنا - في قول أبي عبيدة - زائدة، وأنكر سيبويه زيادتها في الواجب، وقال أبو علي: دخلت للتبعيض ووضع البعض موضع الجميع توسعاً. وقال قوم: دخلت (من) لتكون المغفرة بدلا من الذنوب، فدخلت (من) لتضمن المغفرة معنى البدل من السيئة { ويؤخركم إلى أجل مسمى } يعنى لا يؤاخذكم بعاجل العذاب، بل يؤخر الى الوقت الذي ضربه الله لكم ان يمسكم فيه، فقال لهم قومهم { إن أنتم إلا بشر مثلنا } اي ليس انتم الا خلق مثلنا تريدون ان تمنعونا عما كان يعبد اباؤنا من الاصنام والاوثان، فاتونا بحجة واضحة على ما تدعونه وبطلان ما نحن عليه.
وفي الآية دلالة واضحة على انه تعالى اراد بخلقه الخير والايمان، لا الشر والكفر، وأنه إِنما بعث الرسل الى الكفار رحمة وتفضلا، ليؤمنوا، لا ليكفروا، لان الرسل قالت: ندعوكم الى الله ليغفر لكم، فمن قال إِن الله أرسل الرسل الى الكفار ليكفروا بهم ويكونوا سوءاً عليهم ووبالاً، وانما دعوهم ليزدادوا كفراً فقد ردّ ظاهر القرآن.