التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ
٥٨
يَتَوَارَىٰ مِنَ ٱلْقَوْمِ مِن سُوۤءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي ٱلتُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ
٥٩
لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ مَثَلُ ٱلسَّوْءِ وَلِلَّهِ ٱلْمَثَلُ ٱلأَعْلَىٰ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٦٠
-النحل

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى مخبراً عن هؤلاء الكفار الذين جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين. انهم متى بشر واحد منهم بأنه ولد له بنت { ظل وجهه مسوداً } أي يتغير لذلك وجهه و { ظل } يقال لما يعمل صدر النهار، يقال: ظل يفعل كذا ومثله أضحى، غير انه كثر، فصار بمنزلة قولهم: أخذ يفعل، تقول: ظللت أظل ظلولا، ذكره الفراء.
وقوله { وهو كظيم } قال ابن عباس: معناه وهو حزين. وقال الضحاك: كئيب، وهو المغموم الذي يطبق فاه، ولا يتكلم للغم الذي به، مأخوذ من الكظامة وهو سد فم القربة.
وقوله { يتوارى من القوم } أي يختبىء ويختفي من القوم { من سوء ما بشر به } من الانثى، تميل نفسه بين أن { يمسكه على هون } أي على هوان ومشقة، ومنه قوله
{ عذاب الهون } وهي لغة قريش، قال الشاعر:

فلست بوقَّاف على هون

وقال الحطيئة:

فلما خشيت الهون والعير ممسك على رغمه ما أثبت الخيل حافره

وبعض تميم يجعلون الهون من الشيء اللين، قال سمعت من بعضهم إِن كان لقليل فهو هون المؤنة، فاذا قالوا أقبل يمشي على هون، لم يقولوا إِلا بفتح الهاء، ومنه قوله { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً } قال المبرد: الهون بضم الهاء لا أعرفه في الرفق، وانما هو بفتح الهاء، كما يقال: سر عليه هونا أي رفقاً { أم يدسه في التراب } أي هو يميل بين إِمساكه على مذلة او دفنه حيّاً في التراب. ثم أخبر تعالى فقال { ألا ساء ما يحكمون } اي بئس الحكم الذي يحكمون، يجعلون لنفوسهم ما يشتهون، ويجعلون لله مايكرهونه!!.
ثم قال تعالى { للذين لا يؤمنون } اي لا يصدقون بالبعث والنشور والدار الآخرة { مثل السوء. ولله المثل الأعلى } اي لهم بذلك وصف سوء، ولله الوصف الأعلى، من اخلاص التوحيد، ولا ينافي هذا قوله
{ فلا تضربوا لله الأمثال } لانه بمعنى الأمثال التي توجب الاشباه، فأما الامثال التي يضربها الله للناس لما فيها من الحكمة من غير تشبيه له تعالى بخلقه، فحق وصواب، كما قال تعالى { وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إِلا العالمون } قال الرماني: وفي الآيات دلالة على انه لا يجوز ان يضاف اليه تعالى الأدون بدلا من الأصلح، لان اختيار الأدون على الاصلح صفة نقص، وقد عابهم الله بإِضافة ما لا يرضونه لنفوسهم الى ربهم، وهو قولهم: الملائكة بنات الله، فكما لا يرضى الانسان لنفسه النقص الذي فيه، فهو ينفيه عنه، وعظماء الناس واجلاؤهم يرفعون نفوسهم عن صفات الادنى، دون العليا، فينبغي ان ينزه تعالى عن مثل ذلك.
وقوله { وهو العليم الحكيم } معناه عالم بوضع الاشياء في مواضعها، حكيم في انه لا يضعها الا في ما هو حكمة وصواب.