التفاسير

< >
عرض

قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً
٦٦
قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً
٦٧
-الكهف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قال أبو علي يحتمل أنّ { رشداً } منصوباً على انه مفعول له ويكون متعلقاً بـ (اتبع) كأنه قال اتبعك للرشد، أو طلب الرشد على أن تعلمني، فيكون على هذا حالا من قوله { أتبعك } ويجوز أن يكون مفعولا به، وتقديره اتبعك على أن تعلمني رشداً مما علمته، ويكون العلم الذي يتعدى الى مفعول واحد يتعدى بالتضعيف الى مفعولين. والمعنى على ان تعلمني امراً ذا رشد أو علماً ذا رشد.
{ قال له } يعني لذلك العبد الذي علمه الله العلم { هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشداً }. والاتباع والانقياد واحد، اتبعه في مسيره، واتبعه فى مذهبه، واتبعه فى أمره ونهيه، واتبعه فيما دعاه اليه، والرشد - بفتح الراء والشين - قراءة ابي عمرو. الباقون - بضم الراء وسكون الشين - إلا ابن عامر - فى رواية ابن ذكوان - فانه ضمهما، وهما لغتان، مثل أسد وأسد، ووثن ووثن. واختلفوا فى الذي كان يتعلم موسى منه، هل كان نبياً؟ أم لا؟ فقال الجبائي: كان نبياً، لانه لا يجوز ان يتبع النبي من ليس بنبي، ليتعلم منه العلم، لما فى ذلك من الغضاضة على النبي. وقال ابن الاخشاد: ويجوز أن لا يكون نبياً على أن لا يكون فيه وضع من موسى. وقال قوم: كان ملكا. وقال الرماني: لا يجوز أن يكون إلا نبياً، لان تعظيم العالم المعلم فوق تعظيم المتعلم منه. وقيل إنه سمي (خضراً) لانه كان إذا صار في مكان لا نبات فيه اخضر ما حوله، وكان الله تعالى قد اطلعه من علم بواطن الامور على ما لم يطلع عليه غيره.
فان قيل: كيف يجوز أن يكون نبي اعلم من نبي؟ فى وقته.
قيل عن ذلك ثلاثة اجوبة:
أحدها - انه يجوز أن يكون نبي اعلم من نبي فى وقته عند من قال: ان الخضر كان نبياً.
والثاني - أن يكون موسى اعلم من الخضر بجميع ما يؤدي عن الله على عباده، وفى كل ما هو حجة فيه، وانما خص الخضر بعلم ما لا يتعلق بالأداء.
الثالث - إن موسى استعلم من جهة ذلك العلم فقط، وإن كان عنده علم ما سوى ذلك.
فقال الخضر لموسى (ع) { إنك لن تستطيع معي صبراً } ومعناه يثقل عليك الصبر ولا يخف عليك، ولم يرد أنه لا يقدر عليه، لأن موسى (ع) كان قادراً متصرفاً، وانما قال له ذلك لأن موسى كان يأخذ الامور على ظواهرها، والخضر كان يحكم بما أعلمه الله من بواطن الامور، فلا يسهل على موسى مشاهدة ذلك، ولو اراد نفي الاستطاعة التي هي القدرة لما قال: { وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً } لانه دل على انه لهذا لا يصبر ولو كان على نفي القدرة، سواء علم او لم يعلم لم يستطع.