التفاسير

< >
عرض

وَنَسُوقُ ٱلْمُجْرِمِينَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وِرْداً
٨٦
لاَّ يَمْلِكُونَ ٱلشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ ٱتَّخَذَ عِندَ ٱلرَّحْمَـٰنِ عَهْداً
٨٧
وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً
٨٨
لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً
٨٩
تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً
٩٠
أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً
٩١
وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً
٩٢
-مريم

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ الكسائي ونافع { يكاد } بالياء. الباقون بالتاء. وقرأ ابن كثير ونافع والكسائي وحفص { يتفطرن } بياء وتاء من: تفطر يتفطر تفطراً. الباقون { ينفطرن } من انفطر كقوله { إذا السماء انفطرت }. وتفطر مطاوع فطر. والتشديد يفيد التكثير
اخبر الله تعالى أنه يسوق المجرمين الى جهنم ورداً يوم القيامة. والسوق الحث على السير، ساقه يسوقه سوقاً، فهو سائق ومنه الساق، لاستمرار السير بها، ومنه السوق لأنه يساق به البيع والشراء شيئاً بعد شيء. وقال الفراء: يسوقهم مشاة. وقال الاخفش: عطاشاً. وقيل افراداً. ومعنى { ورداً } أي عطاشاً. كالابل التي ترد عطاشاً الماء، إلا أن هؤلاء يمنعون منه، لانه لا يشرب من الحوض الا مؤمن. وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة.
وقوله { لا يملكون الشفاعة } أي لا يقدرون عليها، والملك القدرة على ما له التصرف فيه أن يصرفه أتم التصريف في الحقيقة أو الحكم.
وقوله { إلا من اتخد عند الرحمن عهداً } أي عملا صالحاً - فى قول ابن جريج - فموضع (من) نصب على أنه استثناء منقطع، لأن المؤمن ليس من المجرمين. وقد قيل: انه نصب على حذف اللام بمعنى لا يملك المتقون الشفاعة إلا لمن اتخد عند الرحمن عهداً. والعهد المراد به الايمان. والاقرار بواحدنيته وتصديق أنبيائه، فان الكفار لا يشفع لهم. وقال الزجاج (من) فى موضع رفع بدلا من الواو والنون فى قوله { لا يملكون الشفاعة }. والمعنى لا يملك الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً وهو الايمان.
ثم اخبر تعالى عن الكفار بأنهم { قالوا اتخذ الرحمن ولداً } كما قال النصارى: إن المسيح ابن الله، واليهود قالت عزير ابن الله. فقال الله لهم على وجه القسم { لقد جئتم } بهذا القول { شيئاً إدّاً } أي منكراً عظيماً - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد، قال الراجز:

لقد لقي الاعداء مني نكراً داهية دهياء إدّاً إمراً

وقال الآخر:

فى لهب منه وحبل إد

ثم قال تعالى تعظيما لهذا القول { تكاد السماوات } وقرئ بالتاء والياء. فمن قرأ بالتاء فلتأنيث السموات ومن ذكر، فلأن التأنيث غير حقيقي. وقال ابو الحسن: معنى تكاد السموات تريد كقوله { كدنا ليوسف } أي أردنا، وانشد:

كادت وكدت وتلك خير أرادة لو عاد من لهو الصبابة ما مضى

ومثله قوله تعالى { أكاد أخفيها } أي أريد ومعنى { تكاد } فى الآية تقرب لان السموات لا يجوز ان ينفطرن ولا يردن لذلك، ولكن هممن بذلك، وقربن منه اعظاماً لقول المشركين. وقال قوم: معناه على وجه المثل، لان العرب تقول إذا أرادت امراً عظيماً منكراً: كادت السماء تنشق والارض تنخسف، وأن يقع السقف. فلما افتروا على الله الكذب، ضرب الله المثل لكذبهم بأهول الاشياء، وقريب من هذا قول الشاعر:

ألم تر صدعاً في السماء مبيناً على ابن لبينى الحارث بن هشام

وقريب منه ايضاً قول الشاعر:

واصبح بطن مكة مقشعراً كان الارض ليس بها هشام

وقال آخر:

بكا حارث الجولان من فقد ربه وحوران منه خاشع متضائل

وقال آخر:

لما اتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع

وقال قوم: المعنى لو كان شيء يتفطر استعظاماً لما يجري من الباطل لتفطرت السموات والارض استعظاماً، واستنكاراً لما يضيفونه الى الله تعالى من اتخاذ الولد، ومثله قوله { { ولو أن قرآناً سيرت به الجبال } ومعنى يتفطرن يتشققن والانفطار الانشقاق فى قول ابن جريج، يقال: فطر ناب البعير إذا انشق، وقرئ ينفطرن بمعنى يتشققن منه، يعني من قولهم اتخذ الرحمن ولداً، والمراد بذلك تعظيماً واستنكاراً لهذا القول، وانه لو كانت السموات يتفطرن تعظيماً لقول باطل لانشقت لهذا القول، ولو كانت الجبال تخر لأمر، لخرّت لهذا القول. و (الهدّ) تهدم بشدة صوت.
وقوله { أن دعوا للرحمن ولداً } أي لأن دعوا، أو من ان دعوا، او المعنى ان السموات تكاد ينفطرن والجبال تنهد والارض تنشق لدعواهم لله ولداً، أي لتسميتهم له ولداً، فهؤلاء سموا لله ولداً كما جعلوا المسيح ابن الله. والمشركون جعلوا الملائكة بنات الله. وقيل: معناه ان جعلوا للرحمن ولداً، لان الولد يستحيل عليه تعالى.
ثم اخبر تعالى انه لا ينبغي له ان يتخذ ولداً، ولا يصلح له، كما يقال ابن احمر:

في رأس حلقاء من عنقاء مشرفة ما ينبغي دونها سهل ولا جبل

وقال الآخر فى الدعاء بمعنى التسمية:

ألا ربّ من تدعوا نصيحاً وإن تغب تجده بغيب غير منتصح الصدر

وقال ابن احمر ايضاً:

هوى لها مشقصاً حشراً فشبرقها وكنت أدعو قذاها الاثمد الفرد