التفاسير

< >
عرض

وَللَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
١١٥
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اللغة:
المشرق والشرق: اسمان لمطلع الشمس، والمغرب، والغرب: اسمان لغربها. يقال: شرق شروقا، واشرق إشراقا، وتشرق تشريقاً. والمشرقان والمغربان: مشرقا الشتاء والصيف، ومغرباهما. والمشارق مطالع الشمس في كل يوم حتى تعود إلى المشرق الاول في الحول. وشرقت الشمس: اذا طلت، واشرقت: اذا اضاءت. وتقول: لا افعل ذلك ماذر شارق: أي ما طلع قرن الشمس. وشرق يشرق شرقاً: اذا اغتص. وقال عدي بن زيد:

لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري

والمشرقة حيث يقعد المشرق في وجه الشمس. قال الشاعر:

تحبين الطلاق وأنت عندي بعيش مثل مشرقة الشتاء

وشرق الثوب بالصبغ: اذا احمر واشتدت حمرته، ولطمه فشرق الدم في عينه: اذا احمرت. وتقول: اشرورقت عينه، واغرورقت. وناقة شرقاء: اذا شقت أذنها بنصفين طولا، وكذلك الشاة. وأيام التشريق أيام مشرق اللحم في الظل. وقال صاحب العين: كانوا يشرقون اللحم تلك الايام في الشمس. وقوله: { { فأخذتهم الصيحة مشرقين } أي حيث طلعت عليهم الشمس. والشرق طائر من الطيور الصوائد. مثل الصقر، والشاهين وقال الشاعر:

قد اغتدى والصبح ذو بريق بملحَم احمر سو ذنيق
أجدل أو شرق من الشروق

وكل شيء طلع من الشمس يقال: شرق يشرق. وفي الحديث: " لا تشريق إلا في مصر، ومسجد جامع" ، أي لا صلاة عيد، لانها وقت طلوع الشمس. واصل الباب الطلوع. والمغرب والمغيب نظائر. تقول: غرب يغرب غروبا، واغترب اغترابا واستغرب استغرابا، وغرّب تغريباً. وسمي الغراب غراباً لبعده ونفوره وانه أشد الطيور خوفا وأصل الباب الحد والتباعد حتى بلغ النهاية. ومن هذا مغرب الشمس. والرجل الغريب المتباعد. وشطت غربة النوى أي بعد المتنائي: وهو أبعد البعد. وغرب السيف والسهم: حدّه سمي بذلك، لانه يمضي فلا يرد، فهو مأخوذ من الابعاد. ويقال لموضع الرداء: غارب. وقولهم للدابة: مغرب: اذا ابيضت حدقته، واهدابه. شبيه بابيضاض الشمس عند الغروب. وقولك للرجل: أغرُب معناه أبعد. وثوبي غربي: اذا لم تستحكم حمرته. مأخوذ من الدابة الغرب. وتقول: اصابه حجر غرب: اذا أتاه من حيث لا يدري. وأتاه حجر غرب: اذا رمى غيره فاصابه. ويقال: إقطع غرب لسان فلان عني: أي اقطع حدة لسانه. وناقة ذات غرب، أي حدة الغرب. والغرب: الدمع الحار الفاسد. وقال الكميت:

أبى غرب عينيك إلا انهمالا

وجمعه غروب. والغرب دلو ضخم يتخذ من جلد تام. والغرب: ما قطر من الماء من الدلاء من الحوض، والبئر ويقال: اغرب الحوض: اذا سال من جوانبه وفاض والغرب: جنس من الشجر خارج عن حد ما يحمل بحمل، أو طيب ريح، أو صلابة. وغاية مغربة: أي بعيدة. والغرب: الفضة. وقيل: انه جام من فضة. وقيل: انه الذهب. قال الشاعر:

كما دعدع سافي الاعاجم الغربا

والغارب: اعلى الموج. والغارب: ما بين يدي السنام. وعنقاء مغرب: موضوع على طائر لا يعرف حده والغربيب: الاسود الشديد السواد. وأصل الباب: الغرب: الحد. واللام في قوله: { ولله المشرق } لام الملك وأصلها لام الاضافة وهي على ثمانية اوجه: الملك، والفعل، والعله، والولادة، والاختصاص، والاستغاثة، ولام كي. وهي لام الغرض ولام العاقبة. فلام الملك كقولك: له مال، والفعل: له كلام، والعلة: هو اسود لما فيه السواد، ولام الولادة: أب له ولد له أخ، والاختصاص: له علم، وله ارادة والاستغاثة يالبكر، ولام كي: { { وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون } ولام العاقبة: { فالتقطة آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً } فهذه وجوه لام الاضافة. وانما قيل: { ولله المشرق والمغرب } بالتوحيد وله جميع المشارق والمغارب لاحد امرين:
احدهما ـ انه اخرج ذلك مخرج الجنس، فدل على الجمع، كما قيل اهلك الناس الدينار والدرهم.
والآخر ـ انه على الحذف. كأنه قيل المشرق الذي تشرق منه الشمس كل يوم، والمغرب الذي تغرب فيه كل يوم. وانما خص الله تعالى ذكر ذلك ها هنا لاحد امور:
احدها ـ قال ابن عباس: واختاره الجبائي انه رد على اليهود لما انكروا تحويل القبلة إلى الكعبة، وقال: ليس هو في جهة دون جهة، كما تقول المشبهة.
والثاني: قال ابن زيد وقتادة، كان للمسلمين التوجه بوجوههم إلى الصلاة حيث شاؤوا ثم نسخ ذلك بقوله:
{ { فول وجهك شطر المسجد الحرام } وانما كان النبي (صلى الله عليه وسلم) اولا اختار التوجه الى بيت المقدس، وقد كان له التوجه إلى حيث شاء.
وقال آخرون: كان ابن عمر يصلي حيث توجهت به راحلته في السفر تطوعا، وذكر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يفعل ذلك ويتاول عليه الآية.
وقيل: نزلت في قوم صلوا في ظلمة وقد خفيت عليهم جهة القبلة، فلما اصبحوا اذا هم صلوا إلى غير القبلة، فانزل الله هذه الآية. وهذا قول عبد الله بن عامر عن ابيه. والنخعي والاول اقوى الوجوه.
وقوله: { فثم وجه الله } المراد بالوجه، فيه اختلاف. قال الحسن، ومجاهد: المراد به، فثم جهة القبلة، وهي الكعبة، لانه يمكن التوجه اليها من كل مكان.
قال ابن بيض:

أي الوجوه انتجعت قلت لها لاي وجه إلا إلى الحكم
متى يقل صاحبا يرادفه هذا ابن بيض بالباب يبتسم

وقيل: معناه فثم وجه الله، فادعوه كيف توجهتم. وقال آخرون، واختاره الرماني والجبائي: فثم رضوان الله. كما يقال: هذا وجه العمل، وهذا وجه الصواب وكانه قال: الوجه الذى يؤدي إلى رضوان الله. وتقدير الآية واتصالها بما قبلها، كأنه قال: لا يمنعكم تخريب من خرب المساجد ان تذكروه حيث كنتم من أي وجه، وله المشرق والمغرب، والجهات كلها.
المعنى:
وقوله: { والله واسع عليم } قال قوم: معناه غني، فكانه قيل: واسع المقدور. وقال الزجاج: يدل على التوسعة للناس فيما رخص لهم في الشريعة، وكانه قيل: واسع الرحمة، وكذلك رخص في الشريعة. ومعنى القول الاول انه غني عن طاعتكم، وانما يريدها لمنفعتكم. وقال الجبائي: معناه واسع الرحمة.
اللغة:
والسعة والفسحة والمباعدة نظائر. وضد السعة الضيق يقال: وسع يسع سعة، وأوسع إيساعا، وتوسع توسعاً، واتسع اتساعا، ووسع توسعة، والوسع: جدة الرجل وقدرة ذات يده، فرحمة الله وسعت كل شيء وانه ليسعنى ما وسعك. وتقول: وسعت الوعاء فاتسع فعل لازم. وكذلك اتوسع. وسع الفرس سعة ووساعة، فهو وساع. وأوسع الرجل: اذا كان ذا سعة في المال، فهو موسع، وموسع عليه. وتقول سير وسيع ووساع. وفي القرآن
{ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها } } أي طاقتها واصل الباب: السعة نقيض الضيق.
المعنى:
ومعنى عليم انه عالم يوجه الحكمة، فبادروا إلى ما أمركم به من الطاعة. وقيل واسع الرحمة عليم ابن يضعها على وجوه الحكمة. ومعنى (ثم) هناك تقول لما قرب من المكان: هنا، وما تراخى: ثم وهناك.
الاعراب:
وانما بني، لان فيه معنى الاشارة إلى المكان لابهامها، وبني على الحركة لالتقاء الساكنين، وفتح لخفة الفتحة في المضاعف.
وقوله: { فأينما تولوا } جزم باينما. والجواب فثم وجه الله. "وثم" موضعه النصب لكنه بني على الفتح وقوله: "أينما" تكتب موصولة في اربعة مواضع ليس في القرآن غيرها. هذه واحدة، وفي النحل
{ { أينما يوجهه } وفي الاحزاب { { ملعونين أينما ثقفوا } وفى الشعراء { { أينما كنتم تعبدون } ومن الناس من يجعل معها التي في النساء { { أينما تكونوا يدرككم الموت } وكلها على القياس إلا التي في الشعراء، فان قياسها ان تكتب مفصولة، لان (ما) اسم موصول بما بعده بمعنى الذي.