التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَٰهِيمُ ٱلْقَوَاعِدَ مِنَ ٱلْبَيْتِ وَإِسْمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ
١٢٧
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

تقديره واذ يرفع ابراهيم القواعد.
اللغة:
والرفع والاعلاء، والاصعاد نظائر. ونقيض الرفع الوضع. ونقيض العلو: السفل. ونقيض الاصعاد الانزال تقول: رفع يرفع رفعا. وارتفع الشيء بنفسه. وبرق رافع: ساطع. والمرفوع: من سير الفرس. والبرذون دون الحضر، وفوق الموضوع. ويقال: إنه لحسن الموضوع. ويقال ارفع من دابتك. وقد رفع الرجل يرفع رفاعة، فهو رفيع والمرأة رفيعة. والحمار يرفع في عدوه ترفيعاً: اذا كان عدو بعضه ارفع من بعض. وكذلك لو احدث شيئاً فرفعته: الاول فالاول، قلت رفعة ترفيعا. فالرفع نقيض الخفض في كل شيء. والرفعة نقفض الذلة، ورفعته إلى السلطان رفعاً اي قربته اليه. وفي التنزيل
{ { وفرش مرفوعة } اي مقربة. والمرفع كل شيء رفعت به شيئاً، فجعلته عليه. واصل الباب الرفع: نقيض الخفض. تقول رفع رفعاً وارتفع ارتفاعاً، ورفع ترفيعاً، وترافعوا ترافعاً، وترفع ترفعاً، ورافعه مرافعة.
والقواعد: واحدها قاعدة. قال الزجاج: اصله في اللغة الثبوت والاستقرار، فمن ذلك القاعدة من الجبل، وهي اصله. وقواعد البناء أساسه الذي بني عليه. واحدتها قاعدة. وامراة قاعدة اذا اتت عليها سنون لا تزوج. ومنه قوله:
{ { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً } واذا لم تحمل المرأة، ولا النخلة. يقال: قد قعدت وهي قاعدة، وجمعها قواعد ايضاً. وتأويلها انها قد ثبتت على ترك الحمل. واذا قعدت المرأة عن الحيض، فهي قاعد ايضاً بغير هاء ـ لانه لا فعل لها في قعودها عن الحيض وقد قعدت المرأة اذا كانت باولاد لئام فهي قاعدة. والاقعاد ان يقعد الرجل عن الشيء البتة يقال: اقعد فهو مقعد اي اقعدته الزمانة. وللجارية ثدي مقعد اذا كان متمكنا لا ينكس. وشهر ذي العقدة كانت العرب تقعد فيه عن القتال. والقعود ما يقتعد الراعي ويحمل عليه متاعه، وجمعه قعدان. وقعيد الانسان جليسه. ومنه قوله: { { عن اليمين وعن الشمال قعيد } يعني الملكين. والقعيد كلما اتي من طائر أو ظبي. ويقال للئيم: قعد، والجبان: قاعد، لانه قعد عن الحرب. وقعد الئيم عن الكرم قال الحطيئة:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فانك انت الطاعم الكاسي

والقعدة في النسب أقرب القرابة إلى الأب أو الجد. والمقاعد مواضع العقود في الحرب، وغيرها. ومنه قوله: { مقاعد للقتال } وقعيدة الرجل امرأته القاعدة في بيته. وأصل الباب القعود. نقيض القيام. والقواعد والاساس والاركان نظائر. وقيل: انما قيل في واحدة القواعد من النساء قاعد لشيئين:
أحدهما ـ أن ذلك كالطالق والحائض وما اشبه ذلك من الصفافات التي تختص بالمؤنث دون المذكر فلم يحتج إلى علامة التأنيث. وإن أردت الجلوس قلت: قاعدة لا غير لانها تشارك في ذلك الرجال.
والوجه الاخر ـ إن ذلك على وجه التشبيه اي ذات قعود كما يقال نابل ودارع أي ذو نبل ودرع. لا تريد به تثبيت الفعل.
الاعراب:
وموضع الجملة من قوله: { رّبنا تقبل منا } نصب بقول محذوف، فكأنه قال: يقولان ربنا تقبل منا. واتصل بما قبله، لأنه من تمام الحال لان (يقولان) في موضع الحال.
المعنى:
قال ابن عباس معناه يقولان: ربنا، ومثله
{ { والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم } أي يقولون ومثله { { والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم } أي يقولون. وقال بعضهم: هو شاذ تقديره يقول: ربنا. يرده إلى اسماعيل وحده. ولا يعمل على ذلك لشذوذه.
وقال أكثر المفسرين كالسدي وعبد بن عمير الليثي، واختاره الجبائي، وغيرهم: إن ابراهيم واسماعيل معاً رفعا القواعد. وقال ابن عباس: كان ابراهيم يبني وإسماعيل يناوله. وقال بعض الشذاذ أن ابراهيم وحده رفعها وكان اسماعيل صغيراً ـ وهو ضعيف لانه خلاف ظاهر اللفظ وخلاف اقوال المفسرين. وقال أكثر أهل العلم أنهما رفعا البيت للعبادة لا للسكنى، بدلالة قوله: { ربنا تقبل منا }. وهل كانت للبيت قواعد قبل ابراهيم؟ فيه خلاف.
فقال ابن عباس وعطا: قد كان آدم عليه السلام بناه ثم عفي أثره، فجدده ابراهيم. وهو المروي عن ابي جعفر وابي عبد الله (ع).
وقال مجاهد، وعمرو بن دينار: بل انشأه ابراهيم بامر الله عز وجل إياه. وكان الحسن يقول: أول من حج البيت ابراهيم (ع). وقد روي في اخبارنا ان أول من حج البيت آدم وذلك يدل على انه قد كان قبل ابراهيم. وانما قال: { إنك أنت السميع العليم } لانه لما ذكر الدعاء، اقتضى حينئذ ذكر ذلك، كأنه قال: انك أنت السميع العليم بنا، وبما يصلحنا.
ومعنى قوله { تقبل منا } اي اثبنا على عمله، وهو مشبه بتقبل الهدية في أصل اللغة. وروي عن محمد بن علي الباقر (ع) انه قال: ان الله تعالى وضع تحت العرش اربع اساطين وسماه الصراح وهو البيت المعمور وقال للملائكة طوفوا به ثم بعث ملائكة، فقال ابنو في الارض بيتاً بمثاله، وقدره وامر من في الارض ان يطوفوا بالبيت.
وقال ابو جعفر: اسماعيل أول من شق لسانه بالعربية، وكان ابوه يقول: وهما يبنيا البيت: ـ يا اسماعيل هابي ابن. اي اعطني حجراً، فيقول له اسماعيل بالعربية: يا أبي هاك حجراً ـ وابراهيم يبني واسماعيل يناوله الحجارة. وروى فلا عن عبد الله بن عمر قال: لما أهبط الله آدم من الجنه قال: اني منزل معك او مهبط معك بيتاً تطوف حوله كما يطاف حول عرشي، وتصلي عنده كما يصلي عند عرشي، ولما كان زمن الطوفان رفع وكانت الانبياء يحجونه ولا يعملون مكانه حتى بوأه الله لابراهيم فاعلمه مكانه فبناه من خمسة اجبل: من حرا، وثبير، ولبنان، وجبل الطور، وجبل الخمر. قال الطبري وهو جبل بدمشق.