التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
١٦٠
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
استثنى الله تعالى في هذه الآية من جملة الذين يستحقون اللعنة من تاب، وأصلح، وبين. واختلفوا في معنى { بينوا } فقال أكثر المفسرين، كقتادة، وابن زيد، والبلخي، والجبائي، والرماني: إنهم بينوا ما كتموه من البشارة بالنبي (صلى الله عليه وسلم), وقال بعضهم: بينوا التوبة، وإصلاح السريرة بالأظهار لذلك. وإنما شرط مع التوبة الاصلاح، والبيان ليرتفع الايهام بأن التوبة مما سلف من الكتمان يكفي في ايجاب الثواب.
ومعنى قوله تعالى { أتوب عليهم } أقبل توبتهم. والاصل في أتوب أفعل التوبة إلا أنه لما وصل بحرف الاضافة دل على ان معناه أقبل التوبة، وإنما كان لفظه مشتركا بين فاعل التوبة، والقابل لها، للترغيب في صفة التوبة إذ وصف بها القابل لها، وهو الله وذلك من إنعام الله على عباده، لئلا يتوهم بما فيها من الدلالة على مقارفة الذنب أن الوصف بها عيب، فلذلك جعلت في أعلا صفات المدح، والتوبة هي الندم الذي يقع موقع التنصل من الشيء وذلك بالتحسر على موافقته، والعزم على ترك معاودته إن أمكنت المعاودة. واعتبر قوم المعاودة الى مثله في القبح. وهو الاقوى. لاجماع الامة على سقوط العقاب عندها، وما عداها فمختلف فيه. فان قيل: ما الفائدة في هذا الاخبار، وقد علمنا أن العبد متى تاب لابدّ أن يتوب الله عليه؟ قلنا أمّا على مذهبنا، فله فائدة واضحة: وهو أن اسقاط العقاب عندها ليس بواجب عقلا، فاذا أخبر بذلك أفادنا مالم نكن عالمين به، ومن خالف في ذلك قال: وجه ذلك أنه لما كانت توبة مقبولة وتوبة غير مقبولة صحت الفائدة بالدلالة على أن هذه التوبة مقبولة. ومعنى قبول التوبة حصول الثواب عليها وإسقاط العقاب عندها.
و { التوّاب } فيه مبالغة إمّا لكثرة ما يقبل التوبة وإما لأنه لا يرد تائباً منيباً أصلا. وقبول التوبة بمعنى اسقاط العقاب عندها، غير واجب عندنا عقلا. وإنما علم ذلك سمعاً، وتفضلا، من الله تعالى على ما وعد به بالاجماع على ذلك. وقد بيّنا في شرح الجمل في الأصول أنه لا دلالة عقلية عليه، ووصفه نفسه بالرحيم عقيب قوله { التوّاب } دلالة على أن اسقاط العقاب عند التوبة تفضل منه ورحمة من جهته. ومن قال: إن الفعل الواجب نعمة إذا كان منعماً بسببه كالثواب، والعوض، فانه لما كان منعماً بالتكليف وبالآلام التي يستحق بها الاعواض، جاز أن يقال في الثواب والعوض أنه تفضل وإن كانا واجبين، فقوله باطل، لأن ذلك إنما قلنا في الثواب للضرورة، وليس ها هنا ضرورة تدعو الى ذلك. وإصلاح العمل هو إخلاصه له من قبيح يشوبه، والتبيين هو التعريض للعلم الذي يمكن به صحة التميز.
الاعراب:
وموضع الذين نصب على أنه استثناء من موجب. و { إلا } حقيقتها الاستثناء. ومعنى ذلك الاختصاص بالشيء دون غيره كقولك: جائني القوم إلا زيداً فقد اختصصت زيداً بأنه لم يجيء، وإذا قلت ما جاءني إلا زيد، فقد اختصصت زيداً بأنه جاء، واذا قلت ما جاءني زيد إلا راكباً فقد اختصصته بهذه الحال دون غيرها من المشي والعدو، وما أشبه ذلك.