التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ
١٦٧
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
المعني بقوله: { وقال الذين اتبعوا } هم الذين تبرءوا منهم: ساداتهم الذين اتبعوهم { لو أن لنا كرة } يعني رجعة الى دار الدنيا، قال الاخطل:

ولقد عطفن على فزارة عطفة كرَّ المنيح وجلن ثم مجالا

فالعامل في { لو أن } محذوف، كأنه قال: لو صح أنّ لنا كرة، لأن { لو } في التمني، وغيره تطلب الفعل. وإن شئت قدرته: لو ثبت أنّ لنا كرة.
اللغة:
والكرّ نقيض الفر تقول: كرّ يكر كراً, وكرة, وتكرّر تكرراً, وكرر تكريراً، وتكراراً. والكرة والفرة متقابلان. والكرّ والرجع والفتل نظائر في اللغة قال صاحب العين: الكر الرجوع عن الشيء ومنه التكرار. والكرّ الحبل الغليظ. وقيل: الشديد الفتل. والكرير صوت في الحلق. والكرير: نهر. والكرة: سبرقين وتراب، يدق، ويجلا به الدّروع.
وقوله { فنتبرء منهم } فالتبرء والانفصال واحد، ومنه برىء من مرضه: اذا انفصل منه بالعافية. ومنه برىء من الدين براءة. وبرىء الله من الخلق.
الاعراب:
وانتصب { فنتبرّء } على أنه جواب التمني - بالفاء - كأنه قال: لو كان لنا كرة فتبرءاً وكلما عطف للفعل على تأويل المصدر، نصب باضمار { أن }. ولا يجوز اظهارها.
المعنى:
وقوله: { كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات } وذلك لانقطاع الرجاء من كل واحد منهما. وقيل ايضاً: كما أراهم العذاب يريهم أعمالهم حسرات عليهم.
وذلك، لأنهم أيقنوا بالهلاك في كل واحد منهما. والعامل في الكاف يريهم.
والأعمال التي يرونها حسرات قيل فيها ثلاثة أقوال:
أحدها - المعاصي يتحسرون عليها لم عملوها.
الثاني - الطاعات يتحسرون عليها لم لم يعملوها، وكيف ضيعوها، ومثله
{ زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون } أي أعمالهم التي فرضناها عليهم، أو ندبناهم اليها. وروي عن أبي جعفر (ع) أنه قال: هو الرجل يكتسب المال، ولا يعمل فيه خيراً، فيرثه من يعمل فيه عملا صالحاً، فيرى الأول ما كسبه حسرة في ميزان غيره. فان قيل: لو جاز أن تضاف الأعمال التي رغبوا فيها، ولم يفعلوها بأنها أعمالهم لجاز أن يقال: الجنة دارهم وحور العين أزواجهم لأنهم عرضوا لها! قلنا لا يجب ذلك، لأنا إنما حملنا على ذلك للضرورة. ولو سمى الله تعالى الجنة بأنها دارهم لتأولنا ذلك، ولكن لم يثبت ذلك، فلا يقاس على غيره.
الثالث - الثواب فان الله تعالى يريهم مقادير الثواب التي عرضهم لها لو فعلوا الطاعات فيتحسرون عليه - لم فرطوا فيه - والقول الأول قول الربيع، وابن زيد، واختيار الجبائي، وأحد قولي البلخي. والثاني قول عبدالله، والسدي، وأحد قولي البلخي. وهو كما تقول الانسان أقبل على عملك وأعقدت عليه عملا قلت في عملك، والذي أقوله: ان الكلام يحتمل أمرين: فلا ينبغي أن يقطع على واحد منهما إلا بدليل إلا ان الاول أقوى، لانه الحقيقة. والله أعلم بمراده.
اللغة:
والحسرات: جمع الحسرة، وهي أشد من الندامة. والفرق بينهما وبين الارادة ان الحسرة تتعلق بالماضي خاصه، والارادة تتعلق بالمستقبل، لان الحسرة انما هي على ما فات بوقوعه أو يتقضي وقته. وانما حركت السين، لانه اسم على فعلة اوسطه ليس من حروف العلة، ولو كان صفة لقلت: صعبات فلم يحرك, وكذلك جوزات وبيضات. وانما حرك الاسم، لانه على خلاف الجمع السالم، إذ كان كان انما يستحقه ما يعقل.
والحسرة والندامة نظائر، وهي نقيض الغبطة. وتقول: حسرت العمامة عن رأسي إذا كشفتها. وحسر عن ذراعيه حسراً، وانحسر انحساراً، وحسرة تحسيراً. والحاسر في الحرب الذي لا درع عليه، ولا مغفر. وحسر يحسر حسرة وحسراً: اذا كمد على الشيء الفائت، وتلهف عليه. وحسرت الناقة حسوراً: اذا أعيت. وحسر البصر اذا كل عن البصر: والمحسرة: المكنسة. والطير يتحسر: اذا خرج من ريشه العتيق الى الحديث. وأصل الباب الحسر: الكشف.
وفي الآية دلالة على انه كان فيهم قدرة على البراءة منهم، لانهم لو لم يكونوا قادرين لم يجز أن يتحسروا على ما فات، كما لا يتحسر الانسان لم لم يصعد الى السماء، ولا من كونه في الارض.