التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ
١٦٨
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة:
قرأ نافع، وأبو عمر، وحمزة، وخلف، وأبو بكر إلا البرجمي، والبزي إلا ابن مرج والربيبي إلا الولي { خطوات } بسكون الطاء حيث وقع. والباقون بضمها.
اللغة:
الأكل: هو البلع عن مضغ، وبلع الحصا ليس بأكل في الحقيقة، وقد قيل: النعام يأكل الخمر، فأجروه مجرى فلان يأكل الطعام. ويقال: مضغه ولم يأكله. والحلال: هو الجائز من أفعال العباد، مأخوذ من أنه طلق، لم يعقد بحظر. والمباح هو الحلال بعينه، وليس كل حسن حلالا، لأن أفعاله تعالى حسنة ولا يقال: انها حلال؛ إذا لحلال اطلاق في الفعل لمن يجوز عليه المنع. وتقول: حل يحل حلالا، وحلّ يحل حلولا، وحل العقد حلا، وأحله إحلالا، واستحلّ استحلالا، وتحلل تحللا واحتل احتلا، وتحالوا تحالا، وحاله محالة، وحلله تحليلا، وانحل انحلالا، وحل العقد يحله حلا، وكل جامد أذبته فقد حللته، وحل بالمكان اذا نزل به، وحل الدين محلا، وأحل من إحرامه وحل، والحل: الحلال. ومن قرأ "يحلل" معناه ينزل ومن قرأ "يحل" معناه يجب، وحلت عليه العقوبة أي وجبت. والحلال الجدي الذي يشق عن بطن أمه، وتحلة اليمين، منه قول الشاعر:

تحفي التراب بأضلاف ثمانية في أربع مسهن الأرض تحليل

أي هين. والحليل، والحليلة: الزوج والمرأة سميا بذلك، لأنهما يحلان في موضع واحد. والحلة: أزار، ورداء برد، وغيره. لا يقال حلة حتى يكون ثوبين. والاحليل مخرج اللبن من الضبي، والفرس، وخلف الناقة، وغيرها، وهو مخرج البول من الذكر. وأصل الباب: الحل نقيض العقد، ومنه أحل من إحرامه، لأنه حلّ عقد الاحرام بالخروج منه. وتحلة اليمين أخذ أقل القليل، لأن عقدة اليمين تنحل به.
والطيب: هو الخالص من شائب ينغص، وهو على ثلاثة أقسام:
الطيب المستلذ، والطيب الجائز، والطيب الطاهر، كقوله تعالى:
{ فتيمموا صعيداً طيباً } أي طاهراً. والاصل واحد، وهو المستلذ إلا أنه يوصف به الطاهر، والجائر تشبيهاً إذ ما يزجر عنه العقل أو الشرع، كالذي تكرهه النفس في الصرف عنه، وما تدعوا اليه بخلاف ذلك. وتقول: طاب طيباً، واستطاب استطابة، وطايبه مطايبة، وتطيب تطيباً، وتطيبه تطييباً، والطيب: الحلال والنضيف، والطهور، من الطيب. وأصل الباب: الطيب خلاف الخبيث.
والخطوة: بعد ما بين قدمي الماشي. والخطوة المرة من الخطو: وهو نقل قدم الماشي. وتقول: خُطوة، وخَطوة واحدة. والاسم: الخطوة، وجمعها خطىً، وقوله تعالى: { ولا تتبعوا خطوات الشيطان } أي لا تتبعوا آثاره ولا تقتدوا به. وأصل الباب الخطو: نقل القدم قدماً. والعدو: المباعد عن الخير الى الشر. والولي نقيضه.
المعنى:
وإنما قال: { حلالا طيباً } فجمع الوصفين، لاختلاف الفائدتين: إذ وصفه بأنه حلال يفيد بأنه طلق. ووصفه بانه طيب مفيد أنه مستلذ إما في العاجل وإما في الآجل. و { خطوات الشيطان } ها هنا قيل فيه خمسة أقوال: فقال ابن عباس: أعماله. وقال مجاهد، وقتادة: خطاياه، وقال السدي: طاعتكم إياه. وقال الخليل: ايثاره. وقال قوم: هي النذور في المعاصي. وقال الجبائي: ما يتخطى بكم اليه بالأمر والترغيب. وروي أن هذه الآية نزلت، لما حرم أهل الجاهلية من ثقيف، وخزاعة، وبني مدلج من الانعام، والحرث: البحيرة والسائبة والوصيلة، فنهى الله تعالى عما كانوا يفعلونه، وأمر المؤمنين بخلافه. والاذن في الحلال يدل على حظر الحرام على اختلاف ضرور به، وأنواعه، فحملها على العموم أولى. والمآكل، والمنافع في الاصل للناس فيها ثلاثة أقوال: فقال قوم: هي على الحظر. وقال آخرون: هي على الاباحة. وقال قوم: هي على الوقف. وحكي الرماني: أن فيهم من قال: بعضها على الحظر، وبعضها على الاباحة. وقد بينا ما عندنا في ذلك في أصول الفقه إلا أن هذه الآية دالة على إباحة المآكل إلا ما دل الدليل على حظره. وقوله: { انه لكم عدو مبين } في وصف الشيطان معناه أنه مظهر العداوة بما يدعوا اليه من خلاف الطاعة لله التي فيها النجاة من الهلاك، والفوز بالجنة.