التفاسير

< >
عرض

وَٱلْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوۤءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِيۤ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوۤاْ إِصْلاَحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِي عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٢٨
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
القرؤ: الطهر - عندنا - وبه قال زيد بن ثابت، وعائشة، وابن عمر، وسالم، وأهل الحجاز. وروي عن ابن عباس، وابن مسعود، والحسن، وبه قال أهل العراق، وروه عن علي (ع) أنه الحيض.
اللغة:
وأصل القرء يحتمل وجهين في اللغة:
أحدهما - الاجتماع، فمنه قرأت القرآن، لاجتماع حروفه، ومنه قولهم: ما قرأت الناقة سلاّ قط: أي لم تجمع رحمها على ولد قط. قال عمرو بن كلثوم:

ذراعي عيطلٍ أدماء بكر هجان اللون لم تقرأ جنينا

ومنه أقرأت النجوم: إذا اجتمت في الافول، فعلى هذا، يقال: أقرأت المرأة: إذا حاضت، فهي مقرىء، في قول الأصمعي، والأخفش، والكسائي والفراء، وأنشدوا له:

قروؤ كقروؤ الحائض

فتأويل ذلك: إجتماع الدم في الرحم. ويجيء على هذا الأصل أن يكون القرأ: الطهر، لاجتماع الدم في جملة البدن، هذا قول الزجاج.
والوجه الثاني - أن يكون أصل القرء: وقت الفعل الذي يجرى على آخر عادة، في قول أبي عمرو بن العلاء، وقال: هو يصلح للحيض، والطهر، يقال: هذا قارىء الرياح أي وقت هبوبها قال الشاعر:

شنئت العقر عقر بني شليل إذا هبت لقارئها الرياح

أي لوقت شدة بردها، وقال آخر:

رجا أياس أن تؤوب ولا أذى إياساً لقرؤ الغائبين يؤوب

أي لحين الغائبين، فعلى هذا يكون القرؤ الحيض، لأنه وقت اجتماع الدم في الرحم على العادة المعروفة فيه، ويكون الطهر، لأنه وقت ارتفاعه على عادة جارية فيه، قال الأعشى في الطهر:

وفي كل عام أنت جاشم غزوة تشد لاقصاها عزيم عزائكا
مورثة مالا وفي الحمد رفعة لما ضاع فيها من قروء نسائكا

والذي ضاع ها هنا الاطهار، لأنه بعد غيبته، فيضيع بها طهر النساء، فلا يطأهن، والوقت الجاري في الفعل على عادة راجع الى معنى الاجتماع، وذلك، لاجتماع الفعل مع الوقت الدائر، فالاجتماع أصل الباب. وأخذ القرؤ من الوقت رداً له الى فرع، وكلا الأمرين يحتمل في اللغة.
المعنى،
ومن خفف الهمزة في { قروء } قال: قرؤ، ومثله
{ من يعمل سوءاً } واستشهد أهل العراق بأشياء يقوى أن المراد الحيض، منها قوله (ع) في مستحاضة سألته: دعي الصلاة أيام أقرائك. واستشهد أهل المدينة بقوله: { فطلقوهن لعدتهن } أي طهر لم يجامع فيه كما يقال لغرّة الشهر، وتأوله غيرهم: لاستقبال عدتهن، وهو الحيض.
فان قيل: لو كان المراد - في الأقراء في الآية - الاطهار، لوجب استيفاء الثلاثة أطهار بكمالها، كما أن من كانت عدتها بالأشهر، وجب عليها ثلاثة أشهر على الكمال، وقد أجمعنا على أنه - لو طلقها في آخر يوم الطهر الذي ما قربها فيه، لا يلزمها أكثر من طهرين آخرين، وذلك دليل على فساد ما قلتموه! قلنا: تسمى القرآن الكاملان، وبعض الثالث ثلاثة أقراء، كما تسمى - الشهران وبعض الثالث -: ثلاثة أشهر قال الله تعالى:
{ الحج أشهر معلومات } وإنما هي شوال، وذي القعدة، وبعض من ذي الحجة. وروي عن عائشة أنها قالت: الأقراء الاطهار.
وقوله: { ولا يحلّ لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } قيل في معناه ثلاثة أقوال: أحدها - قال إبراهيم: الحيض. وثانيها - قال قتادة: الحبل. وثالثها - قال ابن عمر، والحسن: هو الحبل، والحيض، وهو الأقوى لأنه أعم. وإنما لم يحل لهن الكتمان, لظلم الزوج بمنعه المراجعة - في قول ابن عباس -. وقال قتادة: لنسبة الولد الى غيره، كفعل الجاهلية.
اللغة:
وإنما قال: { ثلاثة قروء } ولم يقل: ثلاثة أقرء على جمع القليل، لأنه لما كانت كل مطلقة يلزمها هذا، دخله معنى الكثرة فأتى ببناء الكثرة، للاشعار بذلك، فالقروء كثيرة إلاّ أنها ثلاثة في القسمة. ووجه آخر - أن بناء الكثير فيه أغلب في الاستعمال، لأنه على قياس الباب في جمع فعل الكثير، فأما القليل، فقياسه، أفعل دون أفعال، فصار بمنزلة مالا يعتد به فجاء مجيء قولهم: ثلاثة شسوع، فاستغني فيه ببناء الكثير عن القليل. ووجه ثالث - أن يذهب مذهب الجنس نحو قولهم: ثلاثة كلاب يعنون ثلاثة من الكلاب إذا أريد رفع الايهام.
المعنى:
والشرط بقوله: { إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر } معناه من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فهذه صفته فيما يلزمه، لا أنه يلزم المؤمن دون غيره. وخرج ذلك مخرج التهديد. { وبعولتهن أحق بردهن } يعني أزواجهن أحق برجعتهن، وذلك يختص بالرجعيات وإن كان أول الآية عاماً في جميع المطلقات الرجعية والبائنة. وسمي الزوج بعلا، لأنه عال على المرأة بملكه لزوجيتها.
اللغة:
تقول: بعل يبعل بعولة، وهو بعل. وقوله
{ { أتدعون بعلاً } أي رّباً، لأنه بمعنى من سميتموه باستعلاء الربوبية تخرصاً، وقيل أنه صنم. والبعل النخل يشرب بعروقة، لأنه مستعل على شربه، وبعل الرجل بأمره إذا ضاق به ذرعاً، لأنه علاه منه ما ضاق به صدره. وبعل الرجل في معنى بطر، لأنه استعلى معظماً، وكبراً. وامرأة بعلة: لا تحسن لبس الثياب، لأن الحيرة تستعلي عليها، فتدهشها. وبعل الرجل يبعل بعلا إذا دهش دهشاً.
المعنى:
وقوله: { ولهن مثل الذي عليهن } قال الضحاك: لهن من حسن العشرة بالمعروف على أزواجهن مثل ما عليهن من الطاعة فيما أوجبه الله عليهن لهم. وقال ابن عباس: لهن على أزواجهن من التصنع والتزين مثل ما لأزواجهن عليهن. وقال الطبري: لهن على أزواجهن ترك مضارتهن، كما أن عليهن لأزواجهن.
وقوله: { وللرّجال عليهن درجة } قيل معناه: فضيلة منها الطاعة، ومنها أن يملك التخلية، ومنها زيادة الميراث [على قسم] المرأة، والجهاد. هذا قول مجاهد، وقتادة. وقال ابن عباس: منزلة في الأخذ عليها بالفضل في المعاملة حتى قال: ما أحب أن استوفي منها جميع حقي، ليكون لي عليها الفضيلة.
اللغة:
وتقول: رجل بين الرجولة أي القوة، وهو أرجلهما أي أقواهما، وفرس رجيل قوي على المشي. والرّجل معروفة، لقوتها على المشي. ورجل من جراد أي قطعة منه تشبيهاً بالرجل، لأنها قطعة من الجملة. والراجل الذي يمشي على رجله. وارتجل الكلام ارتجالا، لأنه قوي عليه من غير ركوب فكرة، ولا روية. وترّجل النهار، لأنه قوي ضياؤه بنزول الشمس الى الأرض. ورجّل شعره إذا طوله، لأنه قوي بكثرته من غير أن يركب بعضه بعضاً، فيقلّ في رأي العين. والمرجل معروف. وأصل الباب: القوة.
والدرجة: المنزلة, تقول: درجت الشيء أدرجه درجاً، وأدرجته إدراجاً، ودرج القوم قرناً بعد قرن أي فنوا. وأدرجه الله إدراجاً، لأنه كطي الشيء بمنزلة بعد منزلة والدرج سفيط للطيب، لأنه بمنزلة ما يدرج فيه. ومدرجة الطريق: قارعته. وأصل الباب الطي، فالدرجة منزلة من منازل الطي، ومنه الدرجة التي يرتقى فيها.
المعنى:
وقيل إن في الآية نسخاً، لأن التي لم يدخل بها، لا عدة عليها بقوله:
{ { يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات } الى قوله: { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ولأن الحامل عدتها وضع ما في بطنها بقوله { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } }.