التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ
٢٥٤
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة:
قرأ أبو عمرو وابن كثير { لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة } بالنصب فيها أجمع. والباقون بالضم.
المعنى:
قولة { يا أيها الذين آمنوا } خطاب للمؤمنين يأمرهم بالانفاق مما رزقهم. والانفاق المامور به على وجه الفرض ها هنا الزكاة وغيرها دون الفعل لأن ظاهر الامر الايجاب في قول الحسن. قال: لأنه مقرون بالوعيد. وقال ابن جريج: يدخل في الخطاب الزكاة، والتطوع. وهو أقوى، لانه أعم. وبه قال البلخي. وليس في الآية وعيد على ترك النفقة. وانما فيها إخبار عن عظم أهوال يوم القيامة وشدائدها. وقوله: { من قبل أن يأتي يوم } يعنى يوم القيامة.
اللغة:
{ لا بيع فيه } البيع هو استبدال المتاع بالثمن. تقول: باع يبيع بيعاً، وابتاع ابتياعاً، واستباع استباعة، وبايعه مبايعة، وتبايعوا تبايعاً، والبيع: نقيض الشراء والبيع أيضاً الشراء لانه تارة عقد على الاستبدال بالثمن، وتارة على الاستبدال بالمتاع. والبيعة الصفقة على ايجاب البيع. والبيعة الصفقة على ايجاب الطاعة. والبيعان البائع والمشتري. والبيعة كنيسة النصارى وجمعها بيع.
وقوله: { لا خلة }. فالخلة خالص المودة. والخلل: الافراج بين الشيئين. وخللته بالخلال أخله خلا: إذا صككته به واختلت حاله اختلالا، لانحرافه بالفقر. وتخلل الطرق تخللا إذا قطع فرجة بعد فرجة. وأخل به إخلالا، وخاله يخاله مخالة: إذا صافاه المودة. والخلّ معروف لتخلله بحدته، ولطفه فيما ينساب فيه. والخل: الرجل الخفيف الجسم. والخل: الطريق في الرمل. والخل: عرق في العنق يتصل بالرأس. والخليل: الخالص المودة من الخلة، لأنه من تخلل الاسرار بينهما. وقيل لأنه يمتنع من الشوب - في المودة بالنقيصة - والخليل أيضاً: المحتاج من الخلة. والخلة: جفن السيف. وفي فلان خلة: أي خصلة. والخلة خلاف الحصن لأنه مرعى بتخلله الماشية للاعتداء به. وخلل أصابعه تخليلا. وقوله تعالى:
{ فترى الودق يخرج من خلاله } وقوله: { فجاسوا خلال الديار } والخلال: البلج. وأصل الباب: الخلل: الانفراج.
المعنى:
وقوله: { ولا شفاعة } وإن كان على لفظ العموم فالمراد به الخصوص بلا خلاف، لأن عندنا قد تكون شفاعة في اسقاط الضرر. وعند مخالفينا في الوعيد قد يكون في زيادة المنافع فقد أجمعنا على ثبوت شفاعة وإنما ننفي نحن الشفاعة قطعاً عن الكفار. ومخالفونا عن كل مرتكب كبيرة إذا لم يتب منها.
وقوله: { والكافرون هم الظالمون } إنما ذم الله تعالى الكافر بالظلم وإن كان الكفر أعظم منه لأمرين:
أحدهما - للدلالة على أن الكافر قد ضر نفسه بالخلود في النار، فقد ظلم نفسه. والآخر - أنه لما نفى البيع في ذلك اليوم والخلة والشفاعة، قال وليس ذلك بظلم منا، بل الكافرون هم الظالمون، لأنهم عملوا ما استحقوا به حرمان الثواب.