التفاسير

< >
عرض

ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٢٧٤
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

ذكر ابن عباس أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب (ع) كانت معه أربعة دراهم فانفقها على هذه الصفة بالليل والنهار. وفي السر والعلانية. وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) وروي عن أبي ذر (ره) والأوزاعي إنها نزلت في النفقة على الخيل في سبيل الله. وقيل هي في كل من أنفق ماله في طاعة الله على هذه الصفة وإذا قلنا أنها نزلت في علي (ع) فحكمها سار في كل من فعل مثل فعله. وله فضل الاختصاص بالسبق إلى ذلك. ونزول الآية من جهته. وقيل في قسمة الأموال في الانفاق على الليل والنهار والاسرار والاعلان أفضل من الانفاق على غير ذلك الوجه قولان: قال ابن عباس: إن هذا كان يعمل به حتى نزل فرض الزكاة في براءة. والثاني - ان الافضل موافقة هذه الصفة التي وصفها الله. وهو الأقوى لأنه الظاهر، وقال الرماني، ومن تابعه من المعتزلة لا يجب هذا الوعد إذا رتكب صاحبها الكبيرة من الجرم كما لا يجب إن ارتد عن الايمان إلى الكفر وإنما يجب لمن أخلصها مما يفسق بها وهذا عندنا ليس بصحيح، لأن القول بالاحباط باطل ومفارقة الكبيرة بعد فعل الطاعة لا تحبط ثواب الطاعة بحال. وإنما يستحق بمعصية العقاب ولله فيه المشيئة، فأما الارتداد فعندنا أن المؤمن على الحقيقة لا يجوز أن يقع منه كفر، ومتى وقع ممن كان على ظاهر الايمان ارتداد علمنا أن ما كان يظهره لم يكن إيماناً على الحقيقة، وإنما قلنا ذلك لأنه لو كان إيماناً لكان مستحقاً به الثواب الدائم فاذا ارتد فيما بعد استحق بارتداه عقاباً دائما فيجتمع له استحقاق الثواب الدائم والعقاب الدائم وذلك خلاف الاجماع وقوله: "الذين رفع بالابتداء" وما بعده صلة له وخبره { فلهم أجرهم عند ربهم } وإنما دخل الفاء في خبر الذين لأن فيها معنى الجزاء، لأنه يدل على أن الأجر من أجل الانفاق في طاعة الله. ولا يجوز أن يقال زيد فله درهم لأنه ليس فيه معنى الجزاء وإنما رفع { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ونصب { لا ريب فيه } لأجل تكرير (لا) في جواب إذا قال الشاعر:

وما صرمتك حتى قلت معلنة لا ناقة لي في هذا ولا جمل

فأما { لا ريب فيه }، فجواب (هل) من ريب فيه، فقيل لا ريب فيه على عموم النفي كما أن السؤال على استغراق الجنس بمن فالاعتماد في أحدهما على عموم النفي وفي الآخر على اشتمال النفي على شيئين قد توهم إثبات أحدهما. والانفاق إخراج ما كان من المال عن الملك ولهذا لا يصح في صفة الله (تعالى) الانفاق: وهو موصوف بالاعطاء لعباده ما شاء من نعمة لأن الاعطاء إيصال الشيء إلى الآخذ له والسر: إخفاء الشيء في النفس فأما اخفاؤه في خباء، فليس بسر في الحقيقة، ومنه السّرار والمسّارة لأن كل واحد منهما يخفي الشيء عن غيره إلا عن صاحبه، والعلانية، نقيض السر وهو إظهار الشيء وإبرازه من النفس.