التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ٱلَّذِينَ ٱعْتَدَواْ مِنْكُمْ فِي ٱلسَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ
٦٥
-البقرة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
علمتم أي عرفتم ها هنا. فقوله: علمت اخاك ولم اكن اعلمه: أي عرفته ولم اكن اعرفه كقوله تعالى:
{ { وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم } يعني لا تعرفونهم الله يعرفهم. والذين نصب، لأنه مفعول به. اعتدوا: أي ظلموا وجاوزوا ما حد لهم، وكانوا امروا ألا يعدوا في السبت، وكانت الحيتان تجتمع، لامنها في السبت فحبسوها في السبت واخذوها في الاحد. واعتدوا في السبت، لأن صيدها هو حبسها. وقال قوم: بل اعتدوا فصادوا يوم السبت وسمي السبت سبتاً لان السبت هو القطعة من الدهر فسمي بذلك اليوم، هذا قول الزجاج وقال ابو عبيدة: سمي بذلك: لأنه سبت خلق فيه كل شيء: اي قطع وقوع. وقال قوم سمي بذلك لأن اليهود يسبتون فيه: اي يقطعون الاعمال. وقال آخرون: سميّ بذلك، لما لهم فيه من الراحة، لان اصل السبت هو السكون والراحة. ومن ذلك قوله: { { وجعلنا نومكم سباتاً } وقيل للنائم مسبوت لاستراحته وسكون جسده فسمي به اليوم، لاستراحة اليهود فيه.
وقوله: { فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين }. اخبار عن سرعة فعله ومسخه اياهم. لا أن هناك امراً كما قال للسموات والأرض
{ { ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين } }. ولم يكن هناك قول، وانما اخبر عن تسهل الفعل عليه وتكوينه له بلا مشقة، بلفظ الامر.
ومعنى الآية على ما قاله اكثر المفسرين: انه مسخهم قردة في صورة القردة سواء.
وحكي عن ابن عباس: انه قال: لم يعش مسخ قط اكثر من ثلاثة ايام. ولم يأكل ولم يشرب.
وقال مجاهد: إن ذلك مثل ضربه الله، كما قال:
{ { كمثل الحمار يحمل أسفاراً } }. ولم يمسخهم قردة. وحكي عنه ايضاً: انه قال مسخت قلوبهم فجعلت كقلوب القردة لا تقبل وعظاً ولا تقي زجراً. وهذان القولان منافيان لظاهر التأويل: لما عليه اكثر المفسرين من غير ضرورة داعية اليه. وقوله: { خاسئين }: اي مبعدون، لأن الخاسىء هو المبعد المطرود كما يخسأ الكلب. تقول: منه خسأه اخسؤه خسء وخسياً هو يخسو خسواً. يقال: خسأته فخسأ وانخسأ. قال الراجز:

كالكلب ان قلت له اخسا انخسا

اي إن طردته، انطرد. وقال مجاهد معناه، اذلاء صاغرين. والمعنى قريب.
وفي هذه الآيات احتجاج من الله تعالى بنعمه المترادفة واخباراً للرسول عن عناد اسلافهم وكفرهم مرة بعد اخرى مع ظهور الأيات والعلامات، تعزية له "صلى الله عليه وسلم" وتسلية له عندما رأى من جحودهم، وكفرهم وليكون وقوفه على ما وقف عليه من اخبارهم حجة عليهم وتنبيهاً لهم وتحذيراً ان يحل بهم مما حل بمن تقدمهم من آبائهم واسلافهم.