التفاسير

< >
عرض

وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ
٢٦
وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ
٢٧
لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ
٢٨
ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ
٢٩
ذٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ ٱلأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ
٣٠
-الحج

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) واذكر يا محمد { إذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } ومعناه جلعنا له علامة يرجع اليها. وقال قوم: معنى بوأنا وطّأنا له. وقال السدي: كانت العلامة ريحاً هبت، فكشف حول البيت، يقال لها الحجوج. وقال قوم: كانت: سحابة تطوقت حيال الكعبة، فبنى على ظلها. واصل بوأنا من قوله { باؤا بغضب من الله } أي رجعوا بغضب منه. ومنه قول الحارث بن عباد (بؤ بشسع كليب) أي ارجع، قال الشاعر:

فان تكن القتلى بواء فانكم فتى ما قتلتم آل عوف ابن عامر

اي قد رجع بعضها ببعض فى تكافئ. وتقول: بوأته منزلا أي جعلت له منزلا يرجع اليه، والمكان والموضع والمستقر نظائر. والبيت مكان مهيأ بالبناء للبيتوتة، فهذا اصله. وجعل البيت الحرام على هذه الصورة. وقوله { ألا تشرك بي شيئاً } معناه وأمرناه ألا تشرك بي شيئاً في العبادة { وطهر بيتي } قال قتادة: يعني من عبادة الاوثان. وقيل: من الادناس. وقيل من الدماء، والفرث، والاقذار التى كانت ترمى حول البيت، ويلطخون به البيت إذا ذبحوا.
وقوله { للطائفين } يعني حول البيت { والقائمين والركع السجود } يعني طهر حول البيت للذين يقومون هناك للصلاة والركوع والسجود. وقال عطاء: والقائمين في الصلاة. وإذا قال: طاف، فهو من الطائفين، وإذا قعد، فهو من العكف، وإذا صلى، فهو من الركع السجود.
وفى الآية دلالة على جواز الصلاة في الكعبة.
وقوله { وأذن في الناس بالحج } قال الحسن: والجبائي: هو أمر للنبي (صلى الله عليه وسلم) أن يؤذن للناس بالحج ويأمرهم به، وانه فعل ذلك في حجة الوداع. وقال ابن عباس: ان إبراهيم قام في المقام، فنادى (يا أيها الناس إن الله قد دعاكم الى الحج) فأجابوا (بلبيك اللهم لبيك).
وقوله { يأتوك رجالاً } أي مشاة على أرجلهم، فرجال جمع راجل مثل صاحب وصحاب، وقائم وقيام { وعلى كل ضامر } أي على كل جمل ضامر، وهو المهزول، أضمره السير { من كل فج عميق } أي طريق بعيد، قال الراجز:

يقطعن بعد النازح العميق

وإنما قال { يأتين } لانه في معنى الجمع. وقيل: لأن المعنى وعلى كل ناقة ضامر. وقوله { ليشهدوا منافع لهم } قيل الأجر والثواب في الآخرة، والتجارة في الدنيا. وقال أبو جعفر (ع): المغفرة. وقوله { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات } قال الحسن وقتادة: الأيام المعلومات عشر من ذي الحجة، والأيام المعدودات أيام التشريق. وقال ابو جعفر (ع) الأيام المعلومات أيام التشريق، والمعدودات العشر، لأن الذكر الذي هو التكبير في أيام التشريق. وانما قيل لهذه الأيام: معدودات، لقلتها. وقيل لتلك: معلومات، للحرص على علمها بحسابها، من أجل وقت الحج في آخرها.
وقوله { على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } يعني مما يذبح من الهدي. وقال ابن عمر: الأيام المعلومات أيام التشريق، لأن الذبح فيها الذي قال الله تعالى { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام }. وقوله { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } قال مجاهد وعطاء: أمرنا بأن نأكل من الهدي وليس بواجب. وهو الصحيح، غير انه مندوب اليه. والبائس الذي به ضر الجوع، والفقير الذي لا شيء له، يقال: بؤس فهو بائس إذا صار ذا بؤس، وهو الشدة. أمر الله تعالى أن يعطى هؤلاء من الهدي.
وقوله { ثم ليقضوا تفثهم } فالنفث مناسك الحج، من الوقوف، والطواف، والسعي، ورمي الجمار، والحلق بعد الاحرام من الميقات. وقال ابن عباس وابن عمر: التفث جمع المناسك. وقيل التفث قشف الاحرام، وقضاؤه بحلق الرأس، والاغتسال، ونحوه. قال الازهري: لا يعرف التفث في لغة العرب إلا من قول ابن عباس.
وقوله { وليوفوا نذورهم } أي يوفوا بما نذروا، من نحر البدن - فى قول ابن عباس - وقال مجاهد: كل ما نذر في الحج. وقرأ أبو بكر عن عاصم { وليوفّوا } مشدة الفاء، ذهب إلى انه التكبير. وقوله { وليطوفوا بالبيت العتيق } أمر من الله تعالى بالطواف بالبيت. قال ابن زيد: سمي البيت عتيقاً، لانه أعتق من ان تملكه الجبابرة عن آدم. وقيل: لأنه اول بيت بني. كقوله تعالى
{ { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً } ثم حدده إبراهيم (ع). وقيل: لانه أعتق من الغرق أيام الطوفان، فغرقت الارض كلها إلا موضع البيت، روي عن أبي جعفر (ع). والطواف المأمور به من الله فى هذه الآية، قال قوم: هو طواف الافاضة بعد التعريف إما يوم النحر، وإما بعده، وهو طواف الزيارة، وهو ركن بلا خلاف. وروى أصحابنا ان المراد - ها هنا - طواف النساء الذي يستباح به وطؤ النساء، وهو زيادة على طواف الزيارة.
وقوله { ذلك ومن يعظم حرمات الله } بأن يترك ما حرمه الله. وقوله { وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم } يعني إلا ما يتلى عليكم فى كتاب الله: من الميتة، والدم، ولحم الخنزير، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع، وما ذبح على النصب. وقيل: واحلت لكم الانعام، من الابل، والبقر، والغنم، فى حال إحرامكم { إلا ما يتلى عليكم } من الصيد، فانه يحرم على المحرم.
وقوله { فاجتنبوا الرجس من الأوثان } معنى { من } لتبيين الصفة، والتقدير فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان. وروى أصحابنا أن المراد به اللعب بالشطرنج، والنرد، وسائر انواع القمار { واجتنبوا قول الزور } يعني الكذب. وروى اصحابنا أنه يدخل فيه الغناء وسائر الاقوال الملهية بغير حق.