التفاسير

< >
عرض

وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُمْ مِّمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فيِهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ
٢١
وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ
٢٢
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
٢٣
فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ مَا هَـٰذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ
٢٤
إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُواْ بِهِ حَتَّىٰ حِينٍ
٢٥
-المؤمنون

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن عامر ونافع وابو بكر عن عاصم "نسقيكم" بفتح النون. الباقون بضمها. قال بعضهم: هم لغتان سقيت وأسقيت، قال الشاعر:

سقى قومي بني مجد واسقى نميراً والقبائل من هلال

ولا يجوز ان يكون المراد في البيت (وأسقى) مثل قوله { { وأسقيناكم ماء فراتاً } لأنه لا يكون قد دعا لقومه وخاصته بدون ما دعا للاجنبي البعيد عنه. والصحيح ان سقيت للشفة واسقيت للانهار والانعام تقول: دعوت الله ان يسقيه. ومن قرأ بضم النون أراد: انا جعلنا ما في ضروعها من الالبان سقياً لكم، كما يقال: أسقيناهم نهراً إذا جعلته سقياً لهم، وهذا كأنه اعم، لان ما هو سقياً لا يمتنع أن يكون للشفة، وما يكون للشفة - فقط - يمتنع أن يكون سقياً. وما أسقانا الله من البان الانعام أكثر مما يكون للشفة ومن فتح النون جعل ذلك مختصاً به الشفاه دون المزارع والمراعي، فلم يكن مثل الماء فى قوله { { فأسقيناكموه } وقوله { وأسقيناكم ماء فراتاً } لأن ذلك يصلح للامرين، ومن ثم قال { { وسقاهم ربهم شراباً طهوراً } وانما قال ها هنا { مما في بطونها } وفي النحل { { بطونه } لانه إذا أنث، فلا كلام لرجوع ذلك الى الانعام. وإذا ذكر فلأن النعم والانعام بمعنى واحد، ولئن التقدير: ونسقيكم من بعض ما فى بطونه.
يقول الله تعالى { وإن لكم } معاشر العقلاء { في الأنعام } وهي الماشية التي تمشي على نعمة في مشيها، خلاف الحافر فى وطئها، وهي الابل والبقر والغنم { لعبرة } يعني دلالة تستدلون بها على توحيد الله، وصفاته التي يختص بها دون سواه.
وقوله { نسقيكم مما في بطونها } فالسقي اعطاء ما يصلح للشرب، فلما كان الله تعالى قد أعطى العباد ألبان الأنعام، باجرائه فى ضروعها، وتمكينهم منها، من غير حظر لها، كان قد سقاهم اياها.
ثم قال { ولكم فيها } يعني في الانعام { منافع كثيرة } ولذات عظيمة، ببيعها والتصرف فيها وأكل لحومها، وشرب ألبانها، وغير ذلك من الانتفاع باصوافها وأوبارها، واشعارها، وغير ذلك { ومنها تأكلون } يعني اللحم، وغيره من الألبان وما يعمل منها. ثم قال: ومن منافعها انكم تحملون عليها الاثقال في اسفاركم بأن تركبوها وتحملوا عليها اثقالكم. ومثل ذلك على الفلك، وهي السفن.
ثم اقسم تعالى انه أرسل نوحاً الى قومه، يدعوهم إلى الله، ويقول لهم { اعبدوا الله } وحده لا شريك له، فانه لا معبود لكم غيره. ويحذرهم من عقابه، ويقول { أفلا تتقون } نقمة الله بالاشراك معه فى العبادة. ثم حكى أن الملأ وهم - جماعة اشراف قومه - الكفار، قال بعضهم لبعض: ليس نوح هذا إلا مخلوقاً مثلكم، وبشر مثلكم، وليس بملك { يريد أن يتفضل عليكم } فيسودكم ويترأسكم وان يكون افضل منكم { ولو شاء الله } ما قاله من توحيده واختصاصه بالعبادة { لأنزل ملائكة } عليكم يدعونكم الى ذلك. ثم قالوا { ما سمعنا بهذا } يعنى بما قال نوح، وبمثل دعوته. وقيل بمثله بشراً أتى برسالة من ربه فى اسلافنا الماضين وابائنا واجدادنا الذين تقدمونا. ثم قالوا: { إن هو إلا رجل به جنة } اي ليس هذا - يعنون نوحاً - إلا رجلا به جنة أي تعتاده غمرة تنفي عقله حتى يتخيل اليه ما يقوله ويخرجه عن حال الصحة وكمال العقل، فكان اشراف قومه يصدون الناس عن اتباعه، بما حكى الله عنهم، وقالوا: انه لمجنون يأتي بجنونه بمثل هذا. ويحتمل أن يكونوا أرادوا كأنه فى طعمه فيما يدعو اليه مجنون. ثم قال بعضهم لبعض: { تربصوا به حتى حين } اي الى وقت ما، كأنهم قالوا لهم تربصوا به الهلاك وتوقعوه.