التفاسير

< >
عرض

فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢١
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ
٢٢
وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
٢٣
فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ
٢٤
فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَآءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ ٱلْقَصَصَ قَالَ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
٢٥
-القصص

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خمس آيات كوفي، وست فيما عداه، عد الكل { يسقون } آية إلا الكوفيين فانهم عدوها وما بعدها إلى { كبير } آية. قرأ ابو عمرو، وابن عامر، وابو جعفر { حتى يصدر } بفتح الياء وضم الدال. الباقون - بضم الياء وكسر الدال - والصدر الانصراف عن الماء: صدر يصدر صدراً وأصدره غيره إصداراً، ومنه والصدر، لان التدبير يصدر عنه، والمصدر لان الافعال تصدر عنه. فمن فتح الياء أسند الفعل إلى الرعاء، ومن ضمه أراد اصدارهم عنه ومواشيهم.
حكى الله تعالى ان موسى لما انذره مؤمن آل فرعون، وأن اشراف قومه ورؤساءهم قد ائتمروا على قتله، وأمره بالخروج من المدينة خرج (ع) { خائفاً يترقب } أي يطلب ما يكون ويتوقعه، والترقب طلب ما يكون من المعنى على حفظه للعمل عليه، ومثله التوقع وهو طلب ما يقع من الأمر متى يكون. وقال قتادة وخرج منها خائفاً من قتله النفس يترقب الطلب. وقيل خرج بغير زاد وكان لا يأكل الا حشاش الصحراء إلى أن بلغ ماء مدين.
وقوله { قال رب نجني من القوم الظالمين } حكاية ما دعا به موسى ربه، وانه سأله أن يخلصه من القوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله، وذلك يدل على أن خوفه كان من القتل.
وقوله { ولما توجه تلقاء مدين } فالتوجه صرف الوجه إلى جهة من الجهات، ويقال: هذا المعنى يتوجه إلى كذا أي هو كالطالب له بصرف وجهه اليه، وتلقاء الشيء حذاه، ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه أي من حذا داعي نفسه، و { مدين } لا ينصرف، لانه إسم بلدة معرفة، قال الشاعر:

رهبان مدين لو رأوك تنزلوا والعصم من شعف العقول الغادر

الشعف أعلى الجبل، والغادر الكبير. وقال ابن عباس: بين مصر ومدين ثمان ليال، نحو ما بين الكوفة والبصرة.
وقوله { عسى ربي أن يهديني سواء السبيل } حكاية ما قال موسى في توجهه، فانه قال: عسى أن يدلني ربي على سواء السبيل، وهو وسط الطريق المؤدي إلى النجاة، لأن الأخذ يميناً وشمالاً يباعد عن طريق الصواب، ويقرب منه لزوم الوسط على السنن، فهذا هو المسعى في الهداية، وقال الشاعر:

حتى اغيب في سواء الملحد

اي في وسطه، وقال عطاء: عرضت له أربع طرق لم يدر أيها يسلك، فقال ما قال. ثم أخذ طريق مدين حتى ورد على شعيب، وهو قول عكرمة. ثم حكى تعالى أن موسى { لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة } يعني جماعة { من الناس يسقون } بهائمهم ويستسقون الماء من البئر { ووجد من دونهم } يعني دون الناس { امرأتين تذودان } أي يحبسان غنمهما ويمنعانها من الورود إلى الماء يقال: ذاذ شاته وإبله عن الشيء يذودها ذوداً إذا احبسها عنه بمنعها منه، قال سويد بن كراع:

أبيت على باب القوا في كأنما أذود بها سرباً من الوحش شرعاً

وقال الآخر:

وقد سلبت عصاك بن تميم فما تدري بأي عصاً تذود

وقال الفراء: لا يقال: ذدت الناس، وإنما قالوا ذلك في الغنم والابل، وقال قتادة: كانتا تذودان الناس عن شائهما. وقال السدي: تحبسان غنمهما فقال لهما موسى { ما خطبكما } أي ما شأنكما؟ في قول ابن اسحاق، قال الراجز:

يا عجبا ما خطبه وخطبي

والخطب الأمر الذي فيه تفخيم، ومنه الخطبة، لأنها في الأمر المعظم، ومن ذلك خطبة النكاح والخطاب، كل ذلك فيه معنى العظم، فأجابتاه بأننا لا نسقي غنمنا حتى يصدر الرعاء وواحد الرعاء راع، ويجمع ايضاً رعاة ورعياناً، والمعنى انا لا نسقي حتى ينصرف الرعاء - فيمن فتح الياء - أو يصرفون غنمهم - فيمن ضم الياء - لأنا لا قوة بنا على الاسقاء، وإنما ننظر فضول الماء في الحوض - في قول ابن عباس وقتادة وابن اسحاق - { وأبونا شيخ كبير } لا يقدر على أن يتولى ذلك بنفسه، وقوله { فسقى لهما } قال شريح: رفع لهما حجراً عن بئر لا يقدر على رفعه إلا عشرة رجال ثم استقى لهما. وقال ابن اسحاق: إنه زحم الناس عن الماء حتى آخرهم عنه حتى سقى لهما. وقوله { ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } معناه إني إلى ما أنزلت فاللام بمعنى إلى، و (ما) بمعنى الذي وما بعده من صلته و { لما } متعلق بقوله { فقير } وتقديره أي فقير إلى ما أنزلت الي من خير. قال ابن عباس: أدرك موسى جزع شديد، فقال { رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير } وفى الكلام حذف، لان التقدير إن المرأتين عادتا إلى أبيهما وشكرتا فعله، فقال أبوهما لاحداهما ادعية لي لأجزيه على فعله { فجاءت إحداهما تمشي على استحياء } قيل: معناه متسترة بكم درعها أو قميصها، فقالت له { إن أبي يدعوك } ليكافيك على ما سقيت لنا وإن موسى مشى معها حتى وصل اليه { وقص عليه القصص } من اخباره وما مر عليه، فقال له الشيخ { لا تخف نجوت من القوم الظالمين } قال ابن عباس معناه ليس لفرعون سلطان بأرضنا. وقيل: كان الشيخ أبوهما شعيباً (ع) وقال الحسن: بل كان رجلا مسلماً على دين شعيب اخذ الدين عنه، وشعيب مات قبل ذلك، وقال قوم: انه كان ابن اخي شعيب (ع).