التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ
٤١
وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ
٤٢
وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
٤٣
وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ ٱلْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ
٤٤
وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ
٤٥
-القصص

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اخبر الله تعالى انه جعل فرعون وقومه { أئمة يدعون إلى النار } وقيل في معناه قولان:
احدهما - انا عرفنا الناس انهم كانوا كذلك، كما يقال: جعله رجل شرّ بتعريفه حاله. والثاني - انا حكمنا عليهم بذلك، كما قال
{ { ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة } وكما قال { { وجعلوا لله شركاء الجن } وانما قال ذلك، واراد انهم حكموا بذلك، وسموه. والجعل على اربعة اقسام:
احدها - بمعنى الاحداث، كقوله
{ { وجعلنا الليل والنهار آيتين } وقوله { { وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً } }. الثاني - بمعنى قلبه من حال إلى حال كجعل النطفة علقة إلى ان تصير انساناً.
الثالث - بمعنى الحكم انه على صفة، كما قال انه جعل رؤساء الضلالة يدعون إلى النار اى حكم بذلك.
الرابع - بمعنى اعتقد انه على حال كقولهم جعل فلان فلاناً راكباً إذا اعتقد فيه ذلك. والامام هو المقدم للاتباع يقتدون به، فرؤساء الضلالة قدموا في المنزلة لاتباعهم فيما يدعون اليه من المغالبة. وانما دعوهم إلى فعل ما يؤدي بهم إلى النار، فكان ذلك كالدعاء إلى النار. والداعي هو الطالب من غيره ان يفعل إما بالقول او ما يقوم مقامه، فداعي العقل بالاظهار الذى يقوم مقام القول. وكذلك ظهور الارادة يدعو إلى المراد.
وقوله { ويوم القيامة لا ينصرون } معناه: إنهم كانوا يتناصرون في الدنيا، وهم لا ينصرون في الآخرة بنصر بعضهم لبعض، ولا غيره ولا احد ينصرهم.
وقوله { واتبعناهم في هذه الدنيا لعنة } معناه الحقنا بهم في هذه الدنيا لعنة بأن لعناهم وابعدناهم من رحمتنا. وقال ابو عبيدة معناه ألزمناهم بأن امرنا بلعنهم، قوماً بعد قوم { ويوم القيامة هم من المقبوحين } مع اللعنة. والاتباع إلحاق الثاني بالأول، فهؤلاء الدعاة إلى الضلالة ألحقوا اللعنة تدور معهم حيث ما كانوا، وفى ذلك أعظم الزجر عن القبيح. وقيل: المقبوح المشوه بخلقته لقبيح عمله، ويقال: قبحه الله يقبحه قبحاً، فهو مقبوح إذا جعله قبيحاً وقال ابو عبيدة: معنى (المقبوحين) المهلكين.
ثم اخبر تعالى انه أعطى موسى الكتاب يعني التوراة من بعد ان اهلك القرون الاولى من قوم فرعون وغيرهم، وانه فعل ذلك { بصائر للناس } وهي جمع بصيرة يتبصرون بها ويعتبرون بها وجعل ذلك هدى يعني ادلة وبياناً ورحمة اي ونعمة عليهم لكي يتذكروا ويتفكروا فيعتبروا به. وقوله { وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين } معناه ما كنت بجانب الغربي أي الجبل - في قول قتادة - حين قضينا إليه الأمر اى فصلنا له الأمر بما ألزمناه وقومه وعهدنا اليه فيهم، فلم تشهد انت ذلك { ولكنا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاوياً في أهل مدين } أى مقيماً فالثاوي المقيم قال الاعشى:

أثوى وقصر ليلة ليزّودا ومضى وأخلف من قتيلة وموعدا

{ تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين } والمعنى انك لم تشهد احساننا إلى إلى عبادنا بارسال الرسل ونصب الآيات وانزال الكتب بالبيان والهدى وما فيه الشفاء للعمى كأنه يقول لم تراي شيء كان هناك، تفخيماً لشأنه مع إنك انما تخبر به عنا، ولولا ما أعلمناك منه لم تهتد له.