التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
٥١
ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ
٥٢
وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ
٥٣
أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
٥٤
وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ
٥٥
-القصص

التبيان الجامع لعلوم القرآن

يقول الله تعالى إنا { وصلنا } لهؤلاء الكفار { القول } وقيل في معناه قولان:
احدهما - قال ابن زيد { وصلنا لهم القول } في الخبر عن أمر الدنيا والآخرة الثاني - قال الحسن البصري { وصلنا لهم القول } بما أهلكنا من القرون قرناً من قرن فأخبرناهم أنا أهلكنا قوم نوح بكذا، وقوم هود بكذا، وقوم صالح بكذا { لعلهم يتذكرون } فيخافوا أن ينزل بهم ما نزل بمن كان قبلهم. واصل التوصيل من وصل الحبال بعضها بعض. ومنه قول الشاعر:

فقل لبني مروان ما بال ذمة وحبل ضعيف ما يزال يوصّل

والمعنى انا اتبعنا القرآن بعضه بعضاً. وقيل: معناه فصلنا لهم القول.
وقوله { الذين آتيناهم الكتاب } يعني التوراة { من قبله } يعني من قبل القرآن وقد تقدم ذكره في قوله { فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل }.
وقوله { هم به يؤمنون } أي هم بالقرآن يصدقون من قبل نزوله وبعد نزوله. ويحتمل أن تكون الكناية عن النبي صلى الله عليه وآله، وتقديره الذين آتيناهم الكتاب من قبل محمد هم بمحمد يؤمنون، لأنهم كانوا يجدون صفته في التوراة ثم قال { وإذا يتلى عليهم } يعني القرآن { قالوا آمنا به } أي صدقنا به { إنه الحق من ربنا إنا كنا } من قبل نزوله { مسلمين } به مستمسكين بما فيه.
ثم اخبر تعالى ان هؤلاء الذين وصفهم يعطيهم الله أجرهم اي ثوابهم على ما صبروا في جنب الله { مرتين } إحداهما - لفعلهم الطاعة، والثانية للصبر عليها لما يوجبه العقل من التمسك بها، والصبر حبس النفس عما تنازع اليه فيما لا يجوز أن يتخطأ اليه، ولذلك مدح الله الصابرين. والصبر على الحق مر إلا أنه يؤدي إلى الثواب الذي هو أحلى من الشهد، فهؤلاء صبروا على الامتناع من المعاصي، وعلى فعل الطاعات. وقيل: صبروا على الأذى في جنب الله.
ثم وصف الصابرين الذين ذكرهم فقال { ويدرؤن بالحسنة السيئة } يعني يدفعون بالتوبة المعاصي، لان الله تعالى يسقط العقاب عندها. وقيل: معناه يدفعون بالكلام الجميل اللغو من كلام الكفار. وقيل: ان ذلك قبل الأمر بقتالهم، ولا يمتنع أن يؤمروا، بالاعراض عن مكالمتهم مع الأمر بقتالهم، ولا تنافي بينهما على حال.
ثم قال { ومما رزقناهم ينفقون } أي جعلنا لهم التصرف فيها، وملكناهم إياها ينفقون في طاعة الله، وفي سبيل الخير، وإذا سمعوا لغواً من الكلام، ورأوا لغواً من الفعل أعرضوا عنه، ولم يخاصموا فيه فقالوا لفاعل اللغو { لنا أعمالنا ولكم أعمالكم } أي لنا جزاء اعمالنا ولكم جزاء اعمالكم { سلام عليكم } أي ويقولون لهم قولا يسلمون منه. ويقولون { لا نبتغي الجاهلين } أي لا نطلبهم ولا نجازيهم على لغوهم. واللغو الفعل الذي لا فائدة فيه، وانما يفعله فاعله على توهم فاسد، واللغو واللغا بمعنى واحد. قال الشاعر:

عن اللغا ورفث التكلم

ومن احسن الأدب الاعراض عن لغو الكلام. وقيل: ان هذه الآيات نزلت في عبدالله بن سلام، وتميم الداري، والجارود العبدي، وسلمان الفارسي لما اسلموا نزلت فيهم هذه الآيات - على ما ذكره قتادة - وقال غيره: انها نزلت في أربعين رجلا من أهل الانجيل كانوا مسلمين بالنبي صلى الله عليه وآله قبل مبعثه: اثنان وثلاثون رجلا من الحبشة أقبلوا مع جعفر بن ابي طالب وقت قدومه، وثمانية قدموا من الشام: منهم بحيرا، وابرهه، والاشرف، وعامر، وايمن وإدريس، ونافع، قال قتادة: آتاهم الله أجرهم مرتين، لايمانهم بالكتاب الأول وإيمانهم بالكتاب الثاني.