التفاسير

< >
عرض

وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ
١١
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ
١٢
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ
١٣
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ ٱلطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ
١٤
فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ ٱلسَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ
١٥
-العنكبوت

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اقسم الله تعالى بأنه يعلم الذين يؤمنون بالله على الحقيقة ظاهراً وباطناً فيجازيهم على ذلك بثواب الجنة، وذلك ترغيب لهم { وليعلمن المنافقين } فيه تهديد للمنافقين مما هو معلوم من حالهم التي يستترون بها ويتوهمون انهم نجوا من ضررها، باخفائها، وهي ظاهرة عند من يملك الجزاء عليها، وتلك الفضيحة العظمى بها.
ثم حكى تعالى أن الذين كفروا نعم الله وجحدوها يقولون للذين آمنوا بتوحيده وصدق انبيائه { اتبعوا سبيلنا ولنحمل } نحن { خطاياكم } أي نحمل ما تستحقون عليها من العقاب يوم القيامة عنكم هزؤاً بهم واشعاراً بأن هذا لا حقيقة له، فالمأمور بهذا الكلام هو المتكلم به أمر نفسه في مخرج اللفظ ومعناه يضمن إلزام النفس هذا المعنى، كما يلزم بالأمر، قال الشاعر:

فقلت ادعي وادع فان اندى لصوت أن ينادي داعيان

معناه ولادع. وفيه معنى الجزاء وتقديره ان تتبعوا ديننا حملنا خطاياكم. ثم نفى تعالى أن يكونوا هم الحاملين لخطاياهم من شيء، وانهم يكذبون في هذا القول، لأن الله تعالى لا يؤاخذ أحداً بذنب غيره، فلا يصح إذاً أن يتحمل احد ذنب غيره، كما قال تعالى { { ولا تزر وازرة وزر أخرى } } { { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } وليس ذلك بمنزلة تحمل الدية عن غيره، ولان الفرض في الدية أداء المال عن نفس المقتول، فلا فضل بين ان يؤديه زيد عن نفسه، وبين ان يؤديه عمرو عنه، لانه بمنزلة قضاء الدين.
وقوله { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } معناه انهم يحملون خطاياهم في أنفسهم التي لا يعملونها بغيرهم، ويحلون الخطايا التي ظلموا بها غيرهم، فحسن لذلك فيه التفصيل الذي ذكره الله.
وقوله { وليسألن يوم القيامة عما كانوا يفترون } أى يعملون. ومعناه إنهم يسألون سؤال تعنيف وتوبيخ وتبكيت وتقريع، لا سؤال استعلام كسؤال التعجيز في الجدل، كقولك للوثني ما الدليل على جواز عبادة الأوثان، وكما قال تعالى
{ { هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } }. ثم اخبر تعالى انه أرسل نوحاً إلى قومه يدعوهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له، وانه مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، فلم يجيبوه، وكفروا به { فأخذهم الطوفان } جزاء على كفرهم، فأهلكهم الله تعالى { وهم ظالمون } لنفوسهم بما فعلوه من عصيان الله تعالى والاشراك به، والطوفان الماء الكثير الغامر، لانه يطوف بكثرته في نواحي الارض قال الراجز:

افناهم طوفان موت جارف

شبه الموت في كثرته بالطوفان. ثم اخبر تعالى انه أنجى نوحاً والذين ركبوا معه السفينه من المؤمنين به، وجعل السفينة آية أي علامة للخلائق يعتبرون بها إلى يوم القيامة، لأنها فرقت بين المؤمنين والكفار والعاصين والاخيار، فهي دلالة للخلق على صدق نوح وكفر قومه.