التفاسير

< >
عرض

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً فَقَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱرْجُواْ ٱلْيَوْمَ ٱلأَخِرَ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ
٣٦
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ
٣٧
وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ
٣٨
وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ مُّوسَىٰ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ
٣٩
فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
٤٠
-العنكبوت

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قوله { وإلى مدين أخاهم شعيباً } عطف على قوله { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه } وتقديره وأرسلنا إلى مدين، وقد فسرنا معنى { مدين } فيما تقدم { أخاهم شعيباً } وانه قال لهم { يا قوم اعبدوا الله } وحده لا شريك له ولا تشركوا معه في العبادة غيره { وارجوا اليوم الآخر } يحتمل أن يكون أراد وخافوا عقاب اليوم الآخرة بمعاصي الله، ويحتمل ان يكون أراد واطلبوا ثواب يوم القيامة بفعل الطاعات { ولا تعثوا في الأرض مفسدين } معناه لا تضطربوا بحال الجهالة يقال: عثى يعثي عثى، كقولهم عاث يعيث عيثاً وفيه معنى الأمر بالاستقامة، لانه إنما يخرج عن اضطراب الجهال إلى الاستقامة، في الأفعال. والفساد كل فعل ينافي العقل أو الشرع، فهو عبارة عن معاصي الله.
ثم اخبر أن قومه كذبوه في ادعائه النبوة ولم يقبلوا منه فعاقبهم الله بعذاب الرجفة، وهي زعزعة الأرض تحت القدم، يقال: رجف السطح من تحت أهله يرجف رجفاً، ورجفة شديدة، والارجاف هو الأخبار بما يضطرب الناس لأجله من غير أن يحققونه { فأصبحوا في دارهم جاثمين } قال قتادة: ميتين بعضهم على بعض. وقيل: باركين على ركبهم، والجاثم البارك على ركبتيه مستقبلا بوجهه الأرض.
وقوله { وعاداً وثمود } أي وأهلكنا أيضاً عاداً وثمود جزاء على كفرهم { وقد تبين لكم } معاشر الناس كثير { من مساكنهم }.
ثم اخبر أنه { زين لهم الشيطان اعمالهم } التي كفروا بها وعصوا الله فيها، وذلك يدل على بطلان قول المجبرة الذين ينسبون ذلك إلى الله.
ثم اخبر أن الشيطان صدهم ومنعهم عن طريق الحق { فهم لا يهتدون } اليه لاتباعهم دعاء الشيطان. وعدولهم عن الطريق الواضح { وكانوا مستبصرين } أي وكانوا عقلاء يمكنهم تمييز الحق من الباطل بابصارهم له وفكرهم فيه. وقال مجاهد وقتادة { وكانوا مستبصرين } في ضلالتهم لعجبهم به، فتصوروه بخلاف صورته.
ثم اخبر انه تعالى أهلك قارون، وفرعون، وهامان. ويجوز أن يكون عطفاً على (الهاء والميم) في قوله { فصدهم عن السبيل } وكأنه قال فصد عاداً وثمود، وصد قارون وفرعون وهامان. وأنهم { جاءهم موسى بالبينات } يعني بالحجج الواضحات: من فلق البحر وقلب العصا وغير ذلك { فاستكبروا في الأرض } أي طلبوا التجبر فيها، ولم ينقادوا للحق وأنفوا من اتباع موسى { وما كانوا سابقين } أي فائتين لله، كما يفوت السابق.
ثم اخبر تعالى فقال { فكلاً أخذنا بذنبه } أي اخذنا كلاً بذنبه { فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً } وهو الريح العاصفة التي فيها حصباء وهي الحصى الصغار، وشبه به البرد والجليد، قال الاخطل:

ولقد علمت إذا العشار تروحت هدج الرئال تكبهن شمالا
ترمي الرياح بحاصب من ثلجها حتى تبيت على العضاة جفالا

وقال الفرزدق:

مستقبلين شمال الشام يضربنا بحاصب كنديف القطن منثور

والذين أرسل عليهم الحاصب قوم لوط - في قول ابن عباس، وقتادة - والذين أخذتهم الصيحة ثمود وقوم شعيب - في قولهما - { ومنهم من خسفنا به الأرض } يعني قارون، { ومنهم من أغرقنا } يعني قوم نوم وفرعون.
ثم اخبر تعالى أنه لم يظلمهم بما فعل معهم { ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } بجحدهم نعم الله واتخاذهم مع الله آلهة عبدوها، وطغيانهم وفسادهم في الأرض.
وذلك يدل على فساد قول المجبرة الذين قالوا: إن الظلم من فعل الله، لأنه لو كان من فعله لما كانوا هم الظالمين لنفوسهم، بل كان الظالم لهم من فعل فيهم الظلم