التفاسير

< >
عرض

قُلْ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ
١٢
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة، والحجة:
قرأ أهل الكوفة إلا عاصماً سيغلبون، ويحشرون بالياء، فيهما: الباقون بالتاء. من اختار التاء، فلقوله: { قد كان لكم آية في فئتين } فأجري جميعه على الخطاب. ومن اختار الياء، فللتصرف في الكلام والانتقال من خطاب المواجه إلى الخبر بلفظ الغائب. وقيل: إن الخطاب لليهود. والاخبار عن عبدة الأوثان لأن اليهود أظهروا، الشماتة بما كان من المشركين يوم أحد، فقيل لهم سيغلبون يعني المشركين. وعلى هذا لا يجوز إلا بالياء. وقيل التاء في عموم الفريقين. ومثله قال زيد المال ماله. وقال المال مالي. وقل له سنخرج وسيخرج. وكل ذلك جائز حسن.
النزول:
وقال ابن عباس، وقتادة وابن اسحاق: إن هذه الآية نزلت لما هلكت قريش يوم بدر، فجمع النبي (صلى الله عليه وسلم) اليهود بسوق قينقاع فدعاهم إلى الاسلام وحذرهم مثل مانزل بقريش من الانتقام، فقالوا: لسنا كقريش الاغمار الذين لا يعرفون القتال، لئن حاربتنا لتعرفن البأس. فانزل الله { قل للذين كفروا سيغلبون ويحشرون } الآية.
المعنى:
ومعنى { وبئس المهاد } قال مجاهد: بئس ما مهدوا، لأنفسهم. وقال الحسن: معناه بئس القرار، وقيل بئس الفراش الممهد لهم، وقال البلخي: لا يجوز الوعد، والوعيد بغير شرط، لأن فيه بأساً من الايمان أو الكفر وذلك بمنزلة الصد عنه. وتأول الآية على حذف الشرط، فكأنه قال: وبئس المهاد لمن مات على كفره غير تائب منه. وقال الرماني: وهذا لا يصح من قبل أن السورة قد دلت على معنى الوعد من غير شرط يوجب الشك، فلو كان في قطع الوعيد بأس بمنزلة الصد عن الايمان لكان في قطع الوعد بأمان ما يوجب الاتكال عليه دون ما يلزم من الاجتهاد. والذي يخرجه من ذلك أن العقاب من أجل الكفر كما أن الثواب من أجل الايمان. وهذا ليس بشيء، لأن للبلخي أن يشرط الوعد بالثواب بانتفاء ما يبطله من الكبائر، كما أنه شرط الوعيد بالعقاب بانتفاء ما يزيله من التوبة، فقد سوى بين الأمرين. وقال البلخي والجبائي: قوله: { وبئس المهاد } مجاز كما قيل للمرض: شر، وإن كان خيراً من جهة أنه حكمة، وصواب، فقيل لجهنم { بئس المهاد } لعظيم الآلام، لأن أصل نعم وبئس: الحمد، والذم إلا أنه كثر استعماله في المنافع، والمضار حتى سقط عن اسم مجاز. وإن كان مغيراً عن أصله. وفي الآية دلالة على صحة نبوة النبي (صلى الله عليه وسلم) لأنها تضمنت الخبر عما يكون من غلبة المؤمنين للمشركين. وكان الأمر على ما قال، ولا يكون ذلك على الاتفاق، وكما أنه بين أخباراً كثيرة من الاستقبال، فكان كما قال، فكما أن كل واحد منهما كان معجزاً، لأنه من علام الغيوب اختص به الرسول ليبينه من سائر الناس كذلك هذه الآية.