التفاسير

< >
عرض

وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
١٣٥
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

الاعراب:
قوله { والذين } يحتمل أن يكون موضعه جراً بالعطف على المتقين، فيكون من صفتهم ما تضمنه على قول الحسن، ويحتمل أن يكون رفعاً على الاستئناف، ويكون عطف جملة على جملة، فيكون من صفة فرقة غير الأولى، ويجوز أن يرجع إلى الأولى في الموضع على المدح.
المعنى:
وقوله: { إذا فعلوا فاحشة } يحتمل أن يكون أراد غير الظلم، ولذلك عطف عليه بقوله: { أو ظلموا أنفسهم } حتى لا يكون تكراراً. وقال الرماني: أراد بالفاحشة الكبيرة، وبـ { ظلموا أنفسهم } الصغيرة. وقال مجاهد: هما ذنبان وأصل الفاحشة الفحش، وهو الخروج إلى عظم القبح في العقل أو رأي العين فيه. وكذلك قيل للطويل المفرط أنه الفاحش الطول، وأفحش فلان في كلامه إذا أفصح بذكر الفحش. وقال جابر والسدي: الفاحشة ها هنا: الزنا أو ما جرى مجراه من الكبير. وقوله: { ذكروا الله } في معناه قولان:
أحدهما - ذكروا وعيد الله، فيكون من الذكر بعد النسيان. والمدح على أنهم تعرضوا للذكر.
والآخر - انهم ذكروا الله بأن قالوا: اللهم اغفر لنا ذنوبنا، فانا تبنا نادمين عليها مقلعين عنها وقال ابن مسعود، وعطا ابن ابي رياح: كانت بنو اسرائيل إذا أذنب الواحد منهم ذنباً أصبح مكتوباً على بابه كفارة ذنبك اجدع اذنك اجدع انفك، فسهل الله ذلك على هذه الأمة بأن جعل توبتها الاستغفار بدلا منه منة منه تعالى. وقوله: { ومن يغفر الذنوب إلا الله } الرفع محمول على المعنى. وتقديره: وهل يغفر الذنوب إلا الله أو هل رئي أحد يغفر الذنوب إلا الله. فان قيل: كيف قال: { ومن يغفر الذنوب إلا الله } وقد يغفر بعضنا لبعض اساءته إليه؟ قلنا عنه جوابان:
أحدهما - أنه أراد بذلك غفران الكبائر العظام، لأن الاساءة من بعضنا لبعض صغيرة بالاضافة إلى ما يستحق من جهتة.
والثاني - أنه لا يغفر الذنب الذي يستحق عليه العقاب إلا الله تعالى.
وقوله: { ولم يصروا على ما فعلوا } فالاصرار هو المقام على الذنب من غير اقلاع منه بالتوبة في قول قتادة. وقال الحسن: هو فعل الذنب من غير توبة والأول أقوى، لأنه نقيض التوبة. وأصله الشد من الصرة والصر شدة البرد، والاصرار إنما هو ارتباط الذنب بالاقامة عليه. وما قاله الحسن هو في حكم الاصرار.
وقوله: { وهم يعلمون } ها هنا يحتمل أمرين:
أحدهما - وهم يعلمون الخطيئة ذاكرين لها غير ساهين، ولا ناسين. قال الجبائي، والله عز وجل يغفر للعبد ما نسيه من ذنوبه، وان لم يتب منه بعينه، كما يغفر له ما تاب منه، لأنه قد فعل في حال النسيان جميع ما عليه.
والثاني - وهم يعلمون الحجة في أنها خطيئة. وأما من اجتهد في الاحكام فأخطأ على مذهب من يقول بالاجتهاد، فلا اثم عليه، وكذلك من تزوج بذات محرم من الرضاع أو النسب وهو لا يعلم، أو غير ذلك، فلا إثم عليه بلا خلاف لأنه لم يعلم ذلك، فاقدم عليه، ولا يلزم على ذلك أن يكون الكافر معذوراً بكفره إذا لم يعلمه قبيحاً، لأن الكافر له طريق إلى العلم به، وكذلك نقول: إن من أسلم في دار الحرب، وخرج فاستحل في طريقه الخمر أو لحم الخنزير قبل أن يعلم تحريمها من الشرع، فلا اثم عليه، لأنه في تلك الحال لا طريق له إلى العلم بقبحه.