التفاسير

< >
عرض

وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ
١٥٧
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى، والاعراب:
إن قيل كيف قال: { لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون } مع تفاوت ما بينهما ألا ترى أنه لا يحسن أن يقول الانسان للدرة خير من البعرة؟! قيل: إنما جاز ذلك لأن الناس يؤثرون حال الدنيا على الآخرة حتى أنهم يتركون الجهاد في سبيل الله محبة للدنيا، والاستكثار منها، وما جمعوا فيها.
فان قيل أين جواب الجزاء بـ (إن)؟ قيل: استغني عنه بجواب القسم في قوله: { لمغفرة من الله ورحمة خير } وقد اجتمع شيئان كل واحد منهما يحتاج إلى جواب، فكان جواب القسم أولى بالذكر - لأن له صدر الكلام - مما يذكر في حشوه.
فان قيل: لم شرط { لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون } وهو خير كيف تصرفت الحال؟ قلنا: لأنه لا يكون { لمغفرة } بالتعرض للقتل في سبيل الله خيراً من غير أن يقع التعرض لذلك لاستحالة استحقاقها بما لم يكن منه، لأنه لم يفعل.
فان قيل: لم جاز جواب القسم مع الماضي في الجزاء دون المستقبل في نحو قولهم لئن قتلتم لمغفرة خير؟ قلنا: لأن حرف الجزاء إذا لم يعمل في الجواب لم يحسن أن يعمل في الشرط، لأن إلغاءه من أحدهما يوجب ألغاءه من الآخر كما أن اعماله في أحدهما يوجب اعماله في الآخر لئلا يتنافر الكلام بالتفاوت.
فان قيل: لم أعملت (ان) ولم تعمل (لو) وكل واحدة منهما تعقد الفعل بالجواب؟ قلنا: لأن (ان) تنقل الفعل نقلين إلى الاستقبال، والجزاء، وليس كذلك (لو) لأنها لما مضى.
ان قيل: كيف وجب بالتعرض للقتل المغفرة وإنما تجب بالتوبة؟ قلنا: لأنه يجب به تكفير الصغيرة مع أنه لطف في التوبة من الكبيرة. ومعنى الآية أن المنافقين كانوا يثبطون المؤمنين عن الجهاد، على ما تقدم شرحه في هذه السورة فبين الله تعالى لو انكم إن قتلتم أو متم من غير أن تقتلوا { لمغفرة من الله ورحمة } تنالونهما { خير مما يجمعون } من حطام الدنيا، والبقاء فيها، وانتفاعكم في هذه الدنيا، لأن جميع ذلك إلى زوال.