التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَصَابَكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ ٱللَّهِ وَلِيَعْلَمَ ٱلْمُؤْمِنِينَ
١٦٦
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
قوله: { وما أصابكم يوم التقى الجمعان } يعني يوم أحد وما دخل عليهم من المصيبة بقتل من قتل من المؤمنين. وقوله: { فبإذن الله } قيل في معناه قولان:
أحدهما - بعلم الله. ومنه قوله:
{ { فأذنوا بحرب من الله } معناه اعلموا ومنه قوله: { { وآذان من الله } أي إعلام. ومنه { { ءاذناك ما منا من شهيد } يعني أعلمناك.
الثاني - أنه بتخلية الله التي تقوم مقام الاطلاق في الفعل برفع الموانع، والتمكين من الفعل الذي يصح معه التكليف. ولا يجوز أن يكون المراد به بأمر الله، لأنه خلاف الاجماع، لأن أحداً لا يقول: إن الله يأمر المشركين بقتل المؤمنين، ولا انه يأمر بشيء من القبائح، ولأن الأمر بالقبيح قبيح، لا يجوز أن يفعله الله تعالى. ويمكن أن يحمل مع تسليم أنه بأمر الله بأن يكون ذلك مصروفاً إلى المنهزمين المعذورين بعد اخلال من أخل بالشعب، وضعفهم عن مقاومة عدوهم، وان حمل على الجميع أمكن أن يكون ذلك بعد تفرقهم وتبدد شملهم وانفساد نظامهم، لأن عند ذلك أذن الله في الرجوع وألا يخاطروا بنفوسهم وقوله: { وليعلم المؤمنين } ليس معناه أن الله يعلم عند ذلك ما لم يكن عالماً به، لأنه تعالى عالم بالاشياء قبل كونها وإنما معناه، وليتميز المؤمنون من المنافقين إلا أنه أجرى على المعلوم لفظ العلم مجازاً على المظاهرة في المجازاة بالقول على ما يظهر من الفعل من جهة أنه ليس يعاملهم بما في معلومه أنه يكون منهم إن بقوا، بل يعاملهم معاملة من كأنه لا يعلم ما يكون منهم حتى يظهر. ليكونوا على غاية الثقة بأن الله إنما يجازي بحسب ما وقع من الاحسان أو الاساءة.
فان قيل: هل يجوز أن يقول القائل: المعاصي تقع باذن الله، كما قال: { ما أصابكم } من ايقاع المشركين بكم { بإذن الله }؟ قلنا: لا يجوز ذلك لأن الله تعالى إنما خاطبهم بذلك على وجه التسلية للمؤمنين، فدل ذلك على أن الاذن المراد به التمكين ليتميزوا بظهور الطاعة منهم. وليس كذلك قولهم: المعاصي باذن الله، لأنه لما عري من تلك القرينة صار بمعنى اباحة الله، والله تعالى لا يبيح المعاصي، لأنها قبيحة، ولأن إباحتها تخرجها من معنى المعصية. والفاء انما دخلت في قوله: { فبإذن الله } لأن خبر (ما) التي بمعنى الذي يشبه جواب الجزاء، لأنه معلق بالفعل في الصلة كتعليقه بالفعل في الشرط، كقولك الذي قام فمن أجل أنه كريم أي، لأجل قيامه صح أنه كريم. ومن أجل كرمه قام. وقد قيل أن (ما) هي بمعنى الجزاء، ولا يصح ها هنا لأن الفعل بمعنى المضي.