التفاسير

< >
عرض

أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ
٢٢
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
حبوط العمل - عندنا - هو إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به، فاذا أوقعه كذلك لم يستحق عليه الثواب، فجاز لذلك أن يقال: أحبط عمله، ومتى أوقعه على الوجه المنهي عنه، استحق مع ذلك العقاب، وليس المراد بذلك بطلان ما يستحق عليه من الحمد والثناء. ولا بطلان الثواب بما يستحق من العقاب، لأن الثواب إذا ثبت فلا يزول على وجه بما يستحق صاحبه من العقاب، لأنه لا تنافي بين المستحقين، ولا تضاد. وأما حبوطها في الدنيا، فلأنهم لم ينالوا بها مدحاً ولا ثناء.
وأصل الحبوط مأخوذ من قولهم: حبطت بطون الماشية: إذا فسدت من مآكل الربيع. فعلى ما حررناه إنما تبطل الطاعة حتى تصير بمنزلة ما لم تفعل إذا وقعت على خلاف الوجه المأمور به وعند المعتزلة، ومن خالفنا في ذلك أن أحدهما يبطل صاحبه إذا كان ما يستحق عليه من الثواب أو العقاب أكثر مما يستحق على الآخر فانه يبطل الاقل على خلاف بينهم في أنه يتحبط على طريق الموازنة أو غير الموازنة، قال الرماني: والفرق بين حبوط الفريضة وحبوط النافلة أن النافلة من الفاسق لا بد عليها من منفعة عاجلة، لأن الله رغب فيها إن أقام على فسقه أو لم يقم. والترغيب من الحكيم لا يكون إلا لمنفة، فأما الفريضة من الفاسق، فلانتقاض المضرة التي كان يستحقها على ترك المضرة، وهذا - على مذهبنا - لا يصح على ما فصلناه، ولا على مذهب شيوخه، لأن المستحق على النوافل لا يكون إلا ثواباً والثواب لا يصح فعله في دار التكليف، فكيف يصح ما قاله. وقوله: { وما لهم من ناصرين } يدل على أنه تعالى لا ينصر كافراً لأنه لو نصره، لكان أعظم ناصر والله تعالى نفى على وجه العموم أن يكون لهم ناصر، ولأن مفهوم الكلام أنه لا ينفعهم نصر لكفرهم.