التفاسير

< >
عرض

قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ ٱلْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
٢٦
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اللغة:
قيل في زيادة الميم في اللهم قولان: أحدهما - قال الخليل: إنها عوض من ياء التي هي أداة للنداء بدلالة أنه لا يجوز أن تقول غفر اللهم لي، ولا يجوز أيضاً مع (يا) في الكلام. والثاني - ما قاله الفراء: إنها الميم في قولك يا الله أمنا بخير فألقيت الهمزة وطرحت حركتها على ما قبلها. ومثله هلم وإنما هي هل أم، قال: وما قاله الخليل لا يجوز لأن الميم إنما تزاد مخففة في مثل فم وابنم، ولأنها قد اجتمعت مع (يا) في قول الشاعر:

وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو صليت يا اللهما
أردد علينا شيخنا مسلما

قال الرماني: لا يفسد قول الخليل بما قاله، لأنها عوض من حرفين فشددت كما قيل قمتن وضربتن لما كانت النون عوضاً من حرفين في قمتم، وذهبتم، فأما قمن وذهبن فعوض من حرف واحد، وأما البيت فانما جاز فيه لضرورة الشعر، وأما هل، فلا تدخل على (أم) بوجه من الوجوه. والاصل في (ها) أنها للتنبيه دخلت على (لم) في قول الخليل.
الاعراب:
وقوله: { مالك الملك } أكثر النحويين على أنه منصوب بأنه منادى مضاف وتقديره يا مالك الملك. وقال الزجاج: يحتمل هذا ويحتمل أيضاً أن يكون صفة من اللهم، لأن اللهم منادى، والميم في آخره عوض من ياء في أوله ثم وصفه بعد ذلك كما تقول يا زيد ذا الحجة.
المعنى:
ومعني الآية قيل فيه أربعة أقوال:
أحدها - أن الملك ها هنا النبوة ذكره مجاهد. و [الثاني] قال الزجاج: مالك العباد، وما ملكوا. و [الثالث] قال قوم: مالك أمر الدنيا والآخرة. والرابع: انه أفاد صفة لا تجوز الا له من أنه مالك كل ملك.
وقوله: { تؤتي الملك من تشاء } تقديره من تشاء أن تؤتيه وتنزع الملك ممن تشاء أن تنزعه، كما تقول: خذ ما شئت واترك ماشئت. ومعناه ما شئت أن تتركه.
اللغة:
والنزع: قلع الشيء عن الشيء، نزع ينزع نزعاً. ومنه قوله: { والنازعات غرقاً } قال أبو عبيدة هي النجوم تنزع أي تطلع والنزع الشبه للقوم نزع إلى أخواله أي نزع إليهم بالشبه، فصار واحداً منهم بشبهه لهم. والنزاع: الحنين إلى الشيء والمنازعة: الخصومة. والنزوع عن الشيء الترك له. والنزع: ذهاب الشعر عن مقدم الرأس. والمنزعة: آلة النزع. وأصل الباب النزع: القلع.
المعنى:
وقال البلخي والجبائي لا يجوز أن يعطي الله الملك للفاسق لأنه تمليك الأمر العظيم من السياسة والتدبير مع المال الكثير، لقوله:
{ لا ينال عهدي الظالمين } والملك من أعظم العهود، ولا ينافي ذلك قوله: { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك } لأمرين: أحدهما - قال مجاهد الهاء كناية عن إبراهيم والملك المراد به النبوة والتقدير أن آتى الله إبراهيم النبوة. والثاني - أن يكون المراد بالملك المال دون السياسة، والتدبير فان قيل: ما الفرق بين تمليك الكافر العبيد والاماء وبين تمليكه السياسة والتدبير: قيل: لأن لا يجعل للجاهل أن يسوس العالم، وهذا الذي ذكره البلخي بعينه يُستدل به على الامام يجب أن يكون معصوماً، ولا يكون في باطنه كافراً، ولا فاسقاً.
فان قيل: إن ذلك عادة وجاز أن يكلفنا الله اختياره على ظاهر العدالة فاذ أبان فسقه انخلعت إمامته وإنما لا يجوز أن يختار الله (تعالى) من في باطنه فاسق، لأنه يعلم البواطن لما جاز منا أن نختاره؟ قلنا عن ذلك جوابان:
أحدهما - أن الامام - عندنا - الله (تعالى) يختاره، فوجب أن يكون مأمون الباطن على ما قلتموه. وما الفرق بين أن يختار من في باطنه فاسق وبين أن يكلفنا ذلك مع علمه بأنا لا نختار إلا الفاسق.
والجواب الثاني - أنه إذا كانت علة الحاجة إلى الامام ارتفاع العصمة فلو كان الامام غير معصوم لاحتاج إلى امام آخر وأدى ذلك إلى التسلسل وذلك باطل.
وقوله: { بيدك الخير } معناه إنك قادر على الخير وإنما خص الخير بالذكر وإن كان بيده كل شيء من خير أو شر، لأن الغرض ترغيب العبد، وإنما يرغب في الخير دون الشر، وقال الحسن، وقتادة: هذه الآية نزلت جواباً لما سأل الله النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يجعل لأمته ملك فارس والروم فأنزل الله الآية.