التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ
٣٦
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة، والمعنى:
قرأ { والله أعلم بما وضعتُ } ابن عامر، وأبو عمرو عن عاصم، ويعقوب بمعنى قولي. { فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى } قيل: فيه قولان: أحدهما - الاعتذار من العدول عن النذر، لأنها انثى. الثاني - تقديم الذكر في السؤال لها بانها انثى وذلك ان عيب الانثى أفظع، وهو إليها أسرع، وسعيها أضعف، وعقلها أنقص فقدمت ذكر الانثى ليصح القصد لها في السؤال على هذا الوجه.
وقوله: { وليس الذكر كالأنثى } اعتذار بأن الأنثى لا تصلح لما يصلح له الذكر، وإنما كان يجوز لهم التحرير في الذكور دون الاناث، لانها لا تصلح لما يصلح له الذكر من التحرير لخدمة المسجد المقدس، لما يلحقها من الحيض والنفاس، والصيانة عن التبرج للناس. وقال قتادة: لم يكن التحرير إلا للغلمان فيما جرت به العادة. والهاء في قوله: { وضعتها } يحتمل أن يكون كناية عن (ما) في قوله { نذرت لك ما في بطني } وجاز ذلك لوقوع (ما) على مؤنث. ويحتمل أن يكون كناية عن معلوم قد دل عليه الكلام.
اللغة:
وأصل الوضع: الحط. وضعه يضعه وضعاً. ووضعت بمعنى ولدت أي وضعت الولد. ومنه الموضع: مكان الوضع. والتواضع: خلاف التكبر لأنه وضع العبد من نفسه. والضعة: الخساسة لأنها تضع من قدر صاحبها. والوضيعة: ذهاب شيء من رأس المال. والمواضعة: المواهبة في التباع لوضع ما ينفق عليه في ذلك. والايضاع في السير: الرفق فيه لأنه حط عن شدة الاسراع. ومنه قوله تعالى:
{ ولأوضعوا خلالكم } وأصل الباب: الحط.
المعنى:
فان قيل هل يجوز أن تقول: والله أعلم بأن الجسم محدث من زيد العالم به، كما قالت: { والله أعلم بما وضعت }؟ قيل: لا يجوز لأن علم كل واحد منهما يجوز أن ينقلب عنه إلى خلافه، وليس كذلك بأنه يعلم الله، وأفعل من كذا إنما يقال للمبالغة في الصفة. ومن ضم التاء جعل ذلك من كلام أم مريم على وجه التسبيح والانقطاع إليه تعالى كما يقول القائل: قد كان كذا وكذا، وأنت تعلم لا على وجه الاعلام بل على ما قلناه. واسكان التاء أجود لامرين: أحدهما - أن قولها { إني وضعتها أنثى } قد أغنى عن ذلك. والثاني - أنه كان يجب أن تقول وأنت أعلم، لأنها تخاطب الله تعالى.
وقوله: { وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم } قيل في معناه قولان: أحدهما - الاستعاذة من طعن الشيطان للطفل الذي له يستهل صارخاً، فوقاها الله عز وجل وولدها عيسى منه بحجاب على ما رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) الثاني - قال الحسن انها استعاذت من إغواء الشيطان.
اللغة:
والرجيم بمعنى الموجود بالشبهة وأصل الرجم: الرمي بالحجارة رجم يرجم رجماً والرجم القذف بالغيب لأنه رمى العبد به. ومنه
{ لأرجمنك وأهجرني ملياً } والرجم الاخبار عن الظن لأنه رمى بالخبر لا عن يقين. ومنه { رجماً بالغيب } والرجوم النجوم، لأن من شأنها أن يرمى بها الشياطين ومنه قوله: { وجعلناها رجوماً للشياطين } }. والرجام القبور التي عليها الحجارة. والمراجمة المباراة في الكلام، والعمل له من كل واحد من النفيسين لرمي صاحبه بما يكيده وأصل الباب الرمي.