التفاسير

< >
عرض

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ
٣٨
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

اللغة والمعنى:
معنى هنالك: عند ذلك. والأصل فيه الطرف من المكان نحو رأيته هنا وهناك، وهنالك، والفصل بينهما، القرب والعبد، فهنا للقريب وهنالك للبعيد، وهناك لما بينهما. وقال الزجاج: ويستعمل في الحال كقوله من ههنا قلت: كذا أي من هذا الوجه. وفيه معنى الاشارة كقولك: ذا، وذاك. وزيدت اللام لتأكيد التعريف، لأن الأصل في زيادتها التعريف إلا أنها كسرت لالتقاء الساكنين كما كسرت في ذلك. ولا يجوز إعرابها، لأن فيها معنى الحرف.
ومعنى الآية عند ذلك الذي رأى من فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف على خلاف ما جرت به العادة، طمع في رزق الولد من العاقر على خلاف مجرى العادة، فسأل ذلك. وزكريا (ع) وإن كان عالماً بانه تعالى يقدر على خلق الولد من العاقر، وإن لم تجربه العادة، فانه كان يجوز ألا يفعل ذلك لبعض التدبير، فلما رأى خرق العادة بخلق الفاكهة في غير وقتها قوي ظنه أنه يفعل ذلك: إذا اقتضت المصلحة، وقوي في نفسه ما كان علمه، كما أن ابراهيم وإن كان عالماً بأنه (تعالى) يقدر على إحياء الميت سأل ذلك مشاهدة لتأكد معرفته وتزول عنه خواطره. وقال الجبائي: إن الله تعالى كان أذن له في المسألة وجعل وقته الذي أذن له فيه الوقت الذي رأى فيه المعجزة الظاهرة فلذلك دعا.
وقوله { قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة } فالهبة تمليك الشيء من غير ثمن تقول: وهب يهب، فهو واهب والشيء موهوب، وتواهبوا الأمر بينهم تواهباً، واستوهبه استيهاباً. وقوله من لدنك معناه من عندك وإنما بني ولم يبن عند، لأنه استبهم استبهام الحروف، لأنه لا يقع في جواب أين كما يقع عند نحو قوله أين زيد فتقول عندك، ولاتقول لدنك. { ذرية } تقع على الجمع، والواحد. وقيل أن المراد ها هنا واحد لقوله
{ فهب لي من لدنك ولياً } وأما بمعنى الجمع، فمثل قوله: { ذرية من حملنا من نوح } وقوله: { طيبة } قال السدي معناه مباركة. وإنما انث طيبة، وهو سأل ولداً ذكراً على تأنيث الذرية كما قال الشاعر:

أبوك خليفة ولدته أخرى وأنت خليفة ذاك بالكمال

وقال آخر:

فما نزدري من حية جبلية سكات إذا ما عاض ليس بأدردا

فجمع التأنيث، والتذكير في بيت واحد مرة على اللفظ، ومرة على المعنى. وإنما يجوز هذا في أسماء الأجناس دون الاعلام نحو طلحة، وحمزة، وعنترة، لا يجوز أن تقول جاءت طلحة من قبل أن التذكير الحقيقي يغلب على تأنيت اللفظ فأما قوله:

وعنترة الفيحاء جاءت ملاماً كأنك فند من عماية أسود

فانما أراد شفة عنترة، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه. وقوله: { إنك سميع الدعاء } معناه سامع الدعاء بمعنى قابل الدعاء. ومنه قول القائل: سمع الله لمن حمده أي قبل الله دعاه وأصل السمع ادراك المسموع وإنما قيل للقابل سامع لأن من كان أهلا أن يسمع منه فهو أهل أن يقبل منه خلاف من لا يعتد بكلامه فكلامه بمنزلة ما لم يسمع.