التفاسير

< >
عرض

رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتَ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّٰهِدِينَ
٥٣
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا حكاية لقول الحواريين حيث قالوا { آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون }. قالوا { ربنا } ومعناه يا ربنا ونصبه، لأنه نداء مضاف. "آمنا" أي صدقنا. وإنما لم يقل رب العباد آمنا للاختصاص بما أنعم به عليهم من الايمان الذي أجابوا إليه دون غيرهم ممن عدل عنه. وإنما قال "ربنا آمنا" على لفظ الخطاب ولم يعدل إلى لفظ الغائب، فكان أبلغ في التعظيم، كما تقول السمع والطاعة للملك، فيكون أفخم من أن يقال: لك أيها الملك، لأن المشاهدة أغنت عن التصريح بالخطاب وصار كالاستدلال له مع الغنى عنه وليس كذلك استعماله مع الحاجة إليه، لأنه لا يدل على ابتداء له. فان قيل لم حذف (يا) من يا ربنا آمنا، ولم يحذف من { يا عبادي لا خوف عليكم } قلنا حذف للاستغناء عن تنبيه المدعو، وليس كذلك الثاني لأنه بشارة للعباد ينبغي أن يمد بها لأن سماعها مما يسر. وقوله: { واتبعنا الرسول } فالاتباع سلوك طريقة الداعي على الاجابة إلى ما دعا إليه، وليس كل إجابة اتباعاً، لأن اجابة الدعاء يجوز على الله تعالى ولا يجوز عليه الاتباع. وقوله: { فاكتبنا مع الشاهدين } قيل معناه قولان:
أحدهما - اثبت اسماءنا مع اسمائهم لنفوز بمثل ما فازوا، وننال من الكرامة مثل ما نالوا، ونستمتع بالدخول في جملتهم والانضمام إليهم. الثاني - يصل ما بيننا وبينهم بالخلة على التقوى، والمودة على سلوك طريق الهدى، وتجنب طريق الردى، وعلى هذا يكونون فيه بمنزلة من كتب عليهم. وحقيقة الشاهد المخبر بالشيء عن مشاهدة، وقد يتصرف فيه، فيقال: البرهان شاهد بحق أي هو بمنزلة المخبر به عن مشاهدة. ويقال هذا شاهد أي معد للشهادة والمراد في الآية الشاهدين بالحق المنكرين للباطل.