التفاسير

< >
عرض

فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ
٦١
-آل عمران

التبيان الجامع لعلوم القرآن

المعنى:
الهاء في قوله: { فيه } يحتمل أن تكون عائدة إلى أحد أمرين:
أحدهما - إلى عيسى في قوله: { إن مثل عيسى عند الله } في قول قتادة. الثاني - أن تكون عائدة على الحق في قوله { الحق من ربك }. والذين دعاهم النبي (صلى الله عليه وسلم) في المباهلة نصارى نجران، ولما نزلت الآية أخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) بيد علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، ثم دعا النصارى إلى المباهلة، فاحجموا عنها، وأقروا بالذلة والجزية. ويقال: إن بعضهم قال لبعض إن باهلتموه اضطرم الوادي ناراً عليكم ولم يبق نصراني ولا نصرانية إلى يوم القيامة.
وروي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال لأصحابه: مثل ذلك. ولا خلاف بين أهل العلم أنهم لم يجيبوا إلى المباهلة.
اللغة، والمعنى:
و "تعالوا" أصله من العلو، يقال منه تعاليت أتعالى تعالياً: إذا جئت وأصله المجيء إلى الارتفاع إلا أنه كثر في الاستعمال حتى صار لكل مجيء وصار تعالى بمنزلة هلم. وقيل في معنى الابتهال قولان:
أحدهما - الالتعان بهله الله أي لعنه وعليه بهلة الله. الثاني { نبتهل } ندعوا بهلاك الكاذب. وقال لبيد:

نظر الدهر إليهم فابتهل

أي دعا عليهم بالهلاك كاللعن، وهو المباعدة من رحمة الله عقاباً على معصيته فلذلك لا يجوز أن يلعن من ليس بعاص من طفل أو بهيمة أو نحو ذلك، وقال أبو بكر الرازي: الآية تدل على أن الحسن والحسين ابناه، وأن ولد البنت ابن على الحقيقة. وقال ابن أبي علان: فيها دلالة على أن الحسن والحسين كانا مكلفين في تلك الحال، لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين.
واستدل أصحابنا بهذه الآية على أن أمير المؤمنين (ع) كان أفضل الصحابة من وجهين:
أحدهما - أن موضوع المباهلة ليتميز المحق من المبطل وذلك لا يصح أن يفعل إلا بمن هو مأمون الباطن مقطوعاً على صحة عقيدته أفضل الناس عند الله.
والثاني - أنه (صلى الله عليه وسلم) جعله مثل نفسه بقوله: { وأنفسنا وأنفسكم } لأنه أراد بقوله: { أبناءنا } الحسن والحسين (ع) بلا خلاف. وبقوله: { ونساءنا ونساءكم } فاطمة (ع) وبقوله: { وأنفسنا } أراد به نفسه، ونفس علي (ع) لأنه لم يحضر غيرهما بلا خلاف، وإذا جعله مثل نفسه، وجب ألا يدانيه أحد في الفضل، ولا يقاربه. ومتى قيل لهم أنه أدخل في المباهلة الحسن والحسين (ع) مع كونهما غير بالغين وغير مستحقين للثواب، وإن كانا مستحقين للثواب لم يكونا أفضل الصحابة. قال لهم أصحابنا: إن الحسن والحسين (ع). كانا بالغين مكلفين، لأن البلوغ وكمال العقل لا يفتقر إلى شرط مخصوص، ولذلك تكلم عيسى في المهد بما دل على كونه مكلفاً عاقلا، وقد حكيت ذلك عن امام من أئمة المعتزلة مثل ذلك وقالوا أيضاً أعني أصحابنا: إنهما كانا أفضل الصحابة بعد أبيهما وجدهما، لأن كثرة الثواب ليس بموقوف على كثرة الافعال، فصغر سنهما لا يمنع من أن يكون معرفتهما وطاعتهما لله، وإقرارهما بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وقع على وجه يستحق به من الثواب ما يزيد على ثواب كل من عاصرهما سوى جدهما وأبيهما. وقد فرغنا الكلام في ذلك واستقصيناه في كتاب الامامة.