التفاسير

< >
عرض

وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ ءَاذَانَ ٱلأَنْعَٰمِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ ٱللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ ٱلشَّيْطَٰنَ وَلِيّاً مِّن دُونِ ٱللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً
١١٩
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً
١٢٠
أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلاَ يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصاً
١٢١
-النساء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

[المعنى]:
قوله: { ولأضلنهم } إخبار عن الشيطان المريد الذي وصف صفته في الآية الاولى انه قال لربه: { لأتخذن من عبادك نصيباً مفروضاً. ولأضلنهم } ومعناه ولاصدن النصيب المفروض الذي اتخذه من عبادك عن محجة الهدى إلى الضلال ومن الاسلام إلى الكفر { ولأمنينهم } ومعناه أوهمهم انهم ينالون في الآخرة حظاً لأزيغنهم بما أجعل في أنفسهم من الاماني عن طاعتك وتوحيدك الى طاعتي والشرك بي { ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام } يعني لامرن النصيب المفروض من عبادك بعبادة غيرك من الانداد والاوثان ينسكوا له ويحرموا يحللوا ويشرعوا غير الذي شرعه الله لهم فيتبعوني ويخالفوك.
[اللغة]:
والتبتيك: القطع تقول بتكت الشيء ابتكه تبتيكا: إذا قطعته. وبتكه وبتك مثل قطعه وقطع وسيف باتك: قاطع والمراد في هذا الموضع قطع اذن البحيرة، ليعلم انها بحيرة. واراد الشيطان بذلك دعاءهم إلى البحيرة فيستجيبون له، ويعملون بها طاعة له. قال قتادة: البتك قطع اذان البحيرة والسائبة لطواغيتهم وقال السدي: كانوا يشقونها. وبه قال عكرمة وقوله: { ولآمرنهم فليغيرن خلق الله } اختلفوا في معناه فقال ابن عباس، والربيع بن انس عن انس: انه الاخصاء وكرهوا الاخصاء في البهائم وبه قال سفيان، وشهر بن حوشب، وعكرمة وابو صالح وفي رواية أخرى عن ابن عباس فليغيرن دين الله وبه قال إبراهيم ومجاهد وروي ذلك عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهم السلام قال مجاهد: كذب العبد يعني عكرمة في قوله: إنه الاخصاء وإنما هو تغيير دين الله الذي فطر الناس عليه في قوله:
{ فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } وهو قول قتادة، والحسن والسدي، والضحاك، وابن زيد. وقال قوم: هو الوشم. روي ذلك عن الحسن والضحاك وابراهيم ايضاً وعبد الله. وقال عبد الله: لعن الله الواشمات والموتشمات والمتفلجات المغيرات خلق الله وقال الزجاج: خلق الله تعالى الانعام ليأكلوها، فحرموها على انفسهم وخلق الشمس والقمر والحجارة مسخرة للناس ينتفعون بها، فعبدها المشركون وأقوى الاقوال من قال: فليغيرن خلق الله بمعنى دين الله بدلالة قوله: { فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم } ويدخل في ذلك جميع ما قاله المفسرون، لانه إذا كان ذلك خلاف الدين فالآية تتناوله، ثم اخبر تعالى عن حال نصيب الشيطان المفروض الذين شاقوا { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى } فقال ومن يتبع الشيطان فيطيعه في معصية الله وخلاف امره { فقد خسر خسراناً مبيناً } معناه هلك هلاكاً ظاهراً، وبخس نفسه حظها خسراناً مبينا عن عطيه وهلاكه، لأن الشيطان لا يملك له نصيراً من الله إذا أراد عقابه، ثم اخبر تعالى الشيطان أنه يعد من يتبعه ويمنيهم فيعدهم النصر ممن ارادهم، ويمنيهم الظفر على من أرادهم بمكروه، ثم قال تعالى: { وما يعدهم الشيطان إلا غروراً } يعني باطلا وسماه غروراً، لانهم كانوا يظنون أن ذلك حق، فلما بان لهم أنه باطل، كان غروراً وقوله:{ أولئك مأواهم جهنم } إشارة إلى هؤلاء الذين اتخذوا الشيطان ولياً من دون الله مأواهم يعني مصيرهم الذين يصيرهم اليه جهنم ولا يجدون عنها محيصاً يعني لا يجدون عنها معدلا إذا حصلوا فيها.
[اللغة]:
يقول حاص فلان عن هذا الامر يحيص حيصاً وحوصاً: اذا عدل عنه ومنه حديث ابن عمر (بعثا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سرية، كنت فيهم فلقينا المشركين فحصنا حيصة) وقال بعضهم: فجاضوا جيضة وهما بمعنى واحد، غير انه لا يقرأ إلا بالصاد والحاء وحصت احوص حوصاً وحياصاً إذا خطت يقال حص عين صقرك، اي خط عينه والحوص في العين مؤخرها. والخوص غورها.