التفاسير

< >
عرض

يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
٢٦
-النساء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

الاعراب:
اللام في قوله: { ليبين لكم } للنحويين فيه ثلاثة أقوال:
أولها - قال الكسائي، والفراء، والكوفيون: إن معناها (أن)، وإنما لا يجوز ذلك في أردت وأمرت لأنها تطلب الاستقبال، لا يجوز أردت أن قمت، ولا أمرت أن قمت فلما كانت (أن) في سائر الافعال تطلب الاستقبال، استوثقوا له باللام، وربما جمعوا بين اللام وكي لتأكيد الاستقبال، قال الشاعر:

أردت لكيما لا ترى لي عثرة ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكمل

وقال الفراء: ربما جاء مع غير الارادة والأمر، أنشدني بن الجراح:

أحاول إعنا اتي بما قال أم رجا ليضحك مني أو ليضحك صاحبه

ومعناه: رجا أن يضحك، ومثله: { { وأمرنا لنسلم } وفي موضع آخر: { أمرت أن أكون أول من أسلم } وربما جمعوا بين اللام وكي وأن، قال الشاعر:

أردت لكيما أن تطير بقربتي فتتركها شناً ببيداء بلقع

ولا يجوز في الظن أن تقع اللام بمعنى أن، لأن الظن يصلح معه الماضي والمستقبل، نحو: ظننت أن قمت، وظننت أن تقوم، ولا يجوز: ظننت لتقوم بمعنى: ظننت أن تقوم.
الثاني - قال الزجاج لا يجوز أن تقع اللام بمعنى أن، واستشهد بقول الشاعر:

أردت لكيما يعلم الناس إنها سراويل سعد والوفود شهود

فلو كانت بمعنى أن لم تدخل على كي، كما لا تدخل أن على كي، قال: الرماني: ولقائل أن يقول: إن هذه لام الاضافة مردودة إلى أصلها، فلا يجب وقوع أن موقعها، ومذهب سيبويه وأصحابه أن اللام دخلت في هذا على تقدير المصدر، أي: ارادة للبيان لكم، نحو قوله: { { إن كنتم للرؤيا تعبرون } } { { ردف لكم بعض الذي تستعجلون } ومعناه: إن كنتم تعبرون الرؤيا، قال كثير:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما تمثل لي ليلى بكل سبيل

أي: إرادتي لهذا.
الثالث - ضعف هذين الوجهين بعض النحويين، بأن جعل اللام بمعنى (أن) لم تقم به حجة قاطعة، وحمله على المصدر يقتضي جواز ضربت لزيد بمعنى ضربت زيداً، وهذا لا يجوز، ولكن يجوز في التقديم، نحو لزيد ضربت وللرؤيا تعبرون، لأن عمل الفعل في التقديم يضعف، كعمل المصدر في التأخير، ولذلك لم يجز إلا في المتصرف، فأما "ردف لكم" فعلى تأويل: ردف ما ردف لكم، وعلى ذلك يريد ما يريد لكم، وكذلك قوله:
{ { وأمرنا لنسلم } أي أمرنا بما أمرنا لنسلم، فهي تجري بهذا على أصولها، وقياس بابها. وقال قوم معناه: يريد الله هذا من أجل أن يبين لكم، كما قال: { وأمرت لأعدل بينكم } معناه: وأمرت بهذا من أجل ذلك، وإنما لم يجز أن يراد الماضي لأمرين:
أحدهما - أن الارادة لاستدعاء الفعل، ومحال أن يستدعي ما قد فعل، كما أنه محال أن يؤمر بما قد وقع، لأنه لا يحسن أن يقول: إفعل أمس، أو أريد أمس.
والثاني - أن بالارادة يقع الفعل على وجه دون وجه، من حسن أو قبح، أو طاعة أو معصية، وذلك محال فيما مضى.
المعنى:
وقوله: { ويهديكم سنن الذين من قبلكم } قيل فيه قولان:
أحدهما - { يهديكم سنن الذين من قبلكم } من أهل الحق، لتكونوا على الاقتداء بهم في اتباعه لما لكم فيه من المصلحة.
الثاني - { سنن الذين من قبلكم } من أهل الحق، وغيرهم، لتكونوا على بصيرة فيما تفعلون أو تجتنبون من طرائقهم، وفي الآية دلالة على بطلان مذهب المجبرة، لأن الله تعالى بين أنه يريد أن يتوب على العباد، وهم يزعمون أنه يريد منهم الاصرار على المعاصي. وقال أبو علي الجبائي: في الآية دلالة على أن ما ذكر في الآيتين من تحريم النكاح أو تحليله، قد كان على من قبلنا من الأمم، لقوله تعالى: { ويهديكم سنن الذين من قبلكم } أي في الحلال والحرام. قال الرماني: لا يدل ذلك على اتفاق الشريعة، وإن كنا على طريقتهم في الحلال والحرام، كما لا يدل عليه وإن كنا على طريقتهم في الاسلام، وهذا هو الأقوى.