التفاسير

< >
عرض

ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَٰلِهِمْ فَٱلصَّٰلِحَٰتُ قَٰنِتَٰتٌ حَٰفِظَٰتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ وَٱلَّٰتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً
٣٤
-النساء

التبيان الجامع لعلوم القرآن

القراءة والنزول:
قرأ أبو جعفر المدني: { بما حفظ الله } - بالنصب - ومعناه: بالذي حفظ الله، ويحتمل أن يكون معناه: بحفظ الله وهو ضعيف، لأنه يكون حذف الفاعل وهو ضعيف.
وسبب نزول هذه الآية ما قاله الحسن، وقتادة، وابن جريج، والسدي: أن رجلا لطم امرأته فجاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) تلتمس القصاص، فنزلت الآية: { الرجال قوّامون على النساء }.
المعنى واللغة:
والمعنى: { الرجال قوّامون على النساء } بالتأديب والتدبير لما { فضل الله } الرجال على النساء في العقل والرأي. وكان الزهري يقول: ليس بين الرجل وامرأته قصاص فيما دون النفس. ويقال: رجل قيم، وقوّام، وقيام. ومعناه: إنهم يقومون بأمر المرأة بالطاعة لله ولهم. وقوله: { فالصالحات قانتات } قال قتادة: وسفيان: معنى { قانتات } مطيعات لله ولأزواجهن. وأصل القنوت دوام الطاعة، ومنه القنوت في الوتر لطول القيام. وقوله: { حافظات للغيب بما حفظ الله } معناه: قال قتادة، وعطاء، وسفيان: حافظات لما غاب عنه أزواجهن من ماله، وما يجب من رعايته وحاله، وما يلزم من صيانتها نفسها له، { وبما حفظ الله } قال عطاء، والزجاج: أي بما حفظهن الله في مهورهن، وألزم الزوج النفقة عليهن. وقال بعضهم: معناه، والله أعلم: بالشيء الذي يحفظ أمر الله، ودين الله.
وقوله: { واللاتي تخافون } قيل فيه قولان:
أحدهما - تعلمون، لأن خوف النشز للعلم بموقعه، فلذلك جاز أن توضع مكان تعلم، كما قال الشاعر:

ولا تدفنني بالفلاة فانني أخاف إذا ما مت ألا أذوقها

وقال آخر:

أتاني كلام عن نصيب يقوله وما خفت يا سلام انك عائبي

وقال الفراء: معناه: ما ظنت، ومنه قوله (صلى الله عليه وسلم): "أمرت بالسواك حتى خفت أن أدرد" .
الثاني - الخوف الذي هو خلاف الأمن، كأنه قال: تخافون نشوزهن لعلمكم بالأحوال المؤذنة به، ذكره محمد بن كعب. ومعنى النشوز ها هنا: قال ابن عباس، والسدي، وعطاء، وابن زيد: انه معصية الزوج، وأصله الترفع على الزوج بخلافه، مأخوذاً من قولهم: هو على نشز من الارض، أي ارتفاع، يقال: نشزت المرأة تنشز وتنشز، قرئ بهما: { { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } فالنشوز يكون من قبل المرأة خاصة، والشقاق منهما. وقوله: { فهظوهن } أي خوّفوهن بالله، فان رجعن وإلا فاهجروهن في المضاجع. وقيل في معناه ثلاثة أقوال:
أحدها - قال ابن عباس، وعكرمة، والضحاك، والسدي: هجر الكلام.
وقال سعيد بن جبير: هو هجر الجماع. وقال مجاهد، والشعبي، وابراهيم: هو هجر المضاجعة، وهو قول أبي جعفر (ع). وقال: يحول ظهره إليها. وقال بعضهم: "اهجروهن" اربطوهن بالهجار، من قولهم: هجر الرجل البعير إذا ربطه بالهجار، وقال امرؤ القيس:

رأت هلكاً بنجاف الغبيط فكادت تجدَّ لذاك الهجارا

وهذا تعسف في التأويل، ويضعفه قوله: { في المضاجع } ولا يكون الرباط في المضجع. وأما الضرب فانه غير مبرِّح بلا خلاف قال أبوجعفر (ع): هو بالسواك. والمضاجع جمع مضجع، وأصله الاستلقاء، يقال: ضجع ضجوعاً واضطجع اضطجاعاً إذا استلقى للنوم، وأضجعته إذا وضعت جنبه بالارض، فكل شيء أملته فقد أضجعته. وقوله: { فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن } أي لا تطلبوا، تقول: بغيت الضالة إذا طلبتها، قال الشاعر يصف الموت:

بغاك وما تبغيه حتى وجدته كأنك قد واعدته أمس موعدا

وأصل الهجر الترك عن قلى، تقول: هجرت فلاناً أي تركت كلامه عن قلى، والهجر القبيح من الكلام، لأنه مهجور، والهجار حبل يشد به البعير، لأنه يهجر به التصرف، والهاجرة نصف النهار، لأنه وقت يهجر فيه العمل. وقوله: { إن الله كان علياً كبيراً } أي متعالياً عن أن يكلف إلا بالحق، ومقدار الطاقة، وقد قيل: معناه إنه قادر عليه، قاهر له، وليس المراد به علوّ المكان، لأن ذلك يستحيل عليه تعالى. والكبير السيد، يقال: لسيد القوم كبيرهم، والمعنى: فان استقمن لكم فلا تطلبوا العلل في ضربهن، وسوء معاشرتهن، فان الله تعالى قادر على الانتصاف لهن.