التفاسير

< >
عرض

أَوَلَمْ يَسِيروُاْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ مِن قَبْلِهِمْ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي ٱلأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ
٢١
ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُواْ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ
٢٢
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٢٣
إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُواْ سَاحِرٌ كَـذَّابٌ
٢٤
فَلَمَّا جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ ٱقْتُلُوۤاْ أَبْنَآءَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ وَٱسْتَحْيُواْ نِسَآءَهُمْ وَمَا كَـيْدُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
٢٥
-غافر

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن عباس { أشد منكم } بالكاف. الباقون بالهاء. قال ابو علي: من قرأ بالهاء فلأن ما قبله { أولم يسيروا } على ان لفظه لفظ الغيبة، فحمله على ذلك فقرأ { أشد منهم } ومن قرأ بالكاف انصرف من الغيبة إلى الخطاب، كقوله { إياك نعبد } بعد قوله { الحمد لله } وحسن - هنا - لأنه خطاب لاهل مكة.
يقول الله تعالى منبهاً لهؤلاء الكفار على النظر فى ما نزل بالماضين جزاء على كفرهم فيتعظوا بذلك وينتهوا عن مثل حالهم، فقال { أولم يسيروا في الأرض } والسير والمسير واحد، وهو الجواز في المواضع، يقال: سار يسير سيراً وسايره مسايرة وسيرة تسييراً، ومنه قوله
{ { السيارة } والثياب المسيرة: التى فيها خطوط
وقوله { فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم } أي يتكفروا فى عواقب الكفار من قوم عاد وقوم لوط، فيرون بلادهم هالكه وآثارهم دارسة ومنازلهم خالية بما حل بهم من عذاب الله ونكاله جزاء على جحودهم نعم الله واتخاذهم معه إلهاً غيره، وكان الأمم الماضية أشد قوة من هؤلاء. والقوة هي القدرة، ومنه قوله
{ { القوي العزيز } وقد يعبر بالقوة عن الصلابة، فيقال: خشبة قويه وحبل قوي أي صلب، وأصله من قوى الحبل، وهو شدة الفتل ثم نقل إلى معنى القدرة، كما نقل (كبر) عن كبر الجثة إلى كبر الشأن، والأثر حدث يظهر به أمر، ومنه الآثار التي هي الاحاديث عمن تقدم بما تقدم بها من احوالهم وطرائقهم فى أمر الدنيا والدين. وقوله { فأخذهم الله بذنوبهم } ومعناه فأهلكهم الله جزاء على معاصيهم { وما كان لهم من الله من واق } في دفع العذاب عنهم ومنعهم من نزوله بهم - وهو قول قتادة -.
ثم بين تعالى انه إنما فعل بهم ذلك لأنهم { جاءتهم رسلهم بالبينات } يعني بالمعجزات الظاهرات والدلالات الواضحات فكذبوهم وجحدوا رسالتهم فاستحقوا العذاب { فأخذهم الله بذنوبهم } أي اهلكهم الله جزاء على معاصيهم { إنه قوي شديد العقاب } أي قادر شديد عقابه.
ثم ذكر قصة موسى عليه السلام فقال { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } أي بعثناه بحججنا وادلتنا { وسلطان مبين } أي حجة ظاهرة نحو قلب العصى حية وفلق البحر وغير ذلك { إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب } يعني موسى. ثم قال تعالى { فلما جاءهم } يعني موسى عليه السلام { بالحق من عندنا قالوا } يعني فرعون وهامان وقارون { اقتلوا أبناء الذين آمنوا } بموسى ومن معه { واستحيوا نساءهم } أي استبقوهم، قال قتادة: كان هذا الامر بقتل الابناء والاستحياء للنساء امراً من فرعون بعد الامر الاول. وقيل استحياء نسائهم للمهنة. وقيل: معناه استحيوا نساءهم وقتلوا الابناء ليصدوهم بذلك عن اتباعه ويقطعوا عنه من يعلونه، وإنما ذكر قصة موسى ليصبر محمد صلى الله عليه وآله على قومه كما صبر موسى قبله.
ثم اخبر تعالى ان ما فعله من قتل الرجال واستحياء النساء لم ينفعه وان كيده، وكيد الكافرين لا يكون الا في ضلال عن الحق واسم (كان) الاولى قوله { عاقبة } وخبرها (كيف) وانما قدم لان الاستفهام له صدر الكلام، واسم (كان) الثانية الضمير الذي دل عليه الواو، وخبره (من قبلهم)، واسم (كان) الثالثة الضمير، و (هم) فصل عند البصريين، وعماد عند الكوفيين "وأشد" خبر (كان) الثالثة. فان قيل: الفصل لا يكون الا بين معرفتين (وأشد) نكرة كيف صار (هم) فصلا؟ قيل: ان (افعل) الذى معه (من) بمنزلة المضاف إلى المعرفة. قال الله تعالى { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً } كان خيرا خير في الاصل فحذفت الهمزة تخفيفاً.