التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ
١١٩
للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١٢٠
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ { يوم ينفع } بفتح الميم نافع. الباقون بضمها.
من رفع (يوما) جعله خبر المبتدأ الذي هو (هذا) وأضاف (يوما) الى (ينفع). والجملة التي هي من المبتدأ والخبر في موضع نصب بأنه مفعول القول، كما تقول: قال زيد عمر أخوك. ومن نصب احتمل أمرين:
أحدهما - ان يكون مفعول قال وتقديره قال الله هذا القصص، وهذا الكلام { يوم ينفع الصادقين } فيوم ظرف للقول (وهذا) اشارة الى ما تقدم ذكره من قوله: { إذ قال الله يا عيسى ابن مريم } وجاء على لفظ الماضى وان كان المراد به المستقبل، كما قال
{ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار } } ونحو ذلك على ما بيناه. وليس ما بعد (قال) حكاية في هذا الوجه كما كان إياها في الوجه الآخر.
ويجوز ان يكون المعنى على الحكاية وتقديره قال الله تعالى { هذا يوم ينفع } أي هذا الذي أقتصصنا. به يقع أو يحدث يوم ينفع، فـ "يوم" خبر المبتدأ الذي هو (هذا) الامر إِشارة الى حدث. وظروف الزمان تكون اخبارا عن الاحداث. والجملة في موضع نصب بأنها في موضع مفعول، قال الفراء: { يوم } منصوب لانه مضاف الى الفعل وهو في موضع رفع بمنزلة (يومئذ) مبني على الفتح في كل حال، قال الشاعر:

على حين عاتبت المشيب على الصبا فقلت ألما تصح والشيب وازع

قال الزجاج هذا خطأ عند البصريين، لانهم لا يجيزون هذا يوم آتيتك، يريدون هذا يوم اتيانك، لان (آتيتك) فعل مضارع فالاضافة اليه لا يزيل الاعراب عن جهته، ولكنهم يجيزون (ذلك يوم يقع زيد أصدقه) لان الفعل الماضي غير مضارع للمتمكن فهي اضافة الى غير متمكن والى غير ما ضارع المتمكن ويجوز { هذا يوم } منونا { ينفع الصادقين } على إِضمار هذا يوم ينفع

وما الدهر الا تارتانا فمنهما أموت وأخرى ابتغي العيش اكدح

والمعنى فمنهما تارة أموت فيها.
وقوله { قال الله هذا يوم ينفع الصادقين } يعني يوم القيامة، ودل على أن قول الله للمسيح { أأنت قلت للناس اتخذوني وأمى إِلهين من دون الله } يكون يوم القيامة، ثم بين ان الصادقين ينفعهم صدقهم وهو ما صدقوا فيه في دار التكليف، لان يوم القيامة لا تكليف فيه على أحد، ولا يخبر أحد فيه الا بالصدق، ولا ينفع الكفار صدقهم الذي يقولونه يوم القيامة اذا أقروا على أنفسهم بسوء أعمالهم، ثم بين ان { لهم جنات تجري من تحتها الأنهار }، وأنهم { خالدون فيها أبدا } في نعيم مقيم لا يزول، وان الله قد { رضى عنهم ورضوا } هم عن الله وبين ان ذلك { هو الفوز العظيم } وهو ما يحصلون فيه من الثواب والنجاة من النار، ثم قال تعالى: { لله ملك السماوات والأرض وما فيهن } يعني ان ملك السماوات والارض وما بينهما له بالقدرة على التصرف فيهما وفيما بينهما على وجه ليس لاحد منعه منه ولا معارضته فيه خاصة، ثم بين انه تعالى: { على كل شيء قدير } مما كان ويكون مما يصح ان يكون مقدورا له.