التفاسير

< >
عرض

إِنِّيۤ أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ وَذَلِكَ جَزَآءُ ٱلظَّالِمِينَ
٢٩
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

في هذه الآية إِخبار عن ابن آدم (ع) المقتول أنه قال: لا أبدأك بالقتل لأني { أريد أن تبوء بإثمي } ومعناه أن ترجع، وأصله الرجوع الى المنزل يقال: باء إِذا رجع الى المباءة وهي المنزل { وباءوا بغضب من الله } أي رجعوا. والبواء الرجوع بالقود، وهم في هذا الأمر بواء أي سواء، لانهم يرجعون فيه الى معنى واحد. وقال الشاعر:

ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي محارمنا لا يبؤؤ الدم بالدم

أي لا يرجع الدم بالدم. وقوله { بإثمي وإثمك } معناه اثم قتلي ان قتلتني، واثمك الذي كان منك قبل قتلي - هذا قول ابن عباس، وابن مسعود والحسن، وقتادة، والضحاك، ومجاهد - وقال مجاهد معناه خطيأتي ودمي، ذهب الى ان المعنى مثل إِثمي. وقال الجبائي، والزجاج. وإِثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك. ويجوز أن يريد باثمي الأول اثم قتلي ان قتلتني واثمك الذي قتلتني، فاضافه تارة الى المفعول واخرى الى الفاعل، لأنه مصدر يصح ذلك فيه، كما تقول ضربُ زيدٍ عمراً وضَربُ عمروٍ زيدُ فتضيفه تارة الى الفاعل واخرى الى المفعول.
فان قيل: كيف جاز أن يريد منه الاثم وهو قبيح؟
قلنا: المراد بذلك عقاب الاثم، لأن الرجوع بالاثم رجوع بعقابه، لأنه لا يجوز لأحد أن يريد معصية الله من غيره كما لا يجوز أن يريدها من نفسه، وهو قول أبي علي وغيره. وقال قوم: التقدير إِني أريد أن لا تبوء باثمي كما قال { يبين الله لكم أن تضلوا } ومعناه ألا تضلوا. وهذا وجه يحتمله الكلام لكن الظاهر خلافه، وإِنما يحمل على ذلك إِذا دل الدليل على أنه لا يجوز أن يريد من غيره الاثم. وليس ها هنا ما يدل عليه والكلام يدل على أنه أراد العقاب لا محالة لو أراد الاثم. وقوله { فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين } لا يدل على فساد القول بالارجاء، لان ظاهره يقتضي أنه يستحق بذلك النار والعذاب، وان ذلك جزاءه وليس في ذلك ما يمنع من جواز اسقاطه بغير توبة فينبغي أن لا يمنع منه.
وفي الآية دلالة على أن الوعيد بالنار قد كان في زمن آدم بخلاف ما يدعيه جماعة من اليهود والنصارى.