التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوۤاْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
٣٥
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

خاطب الله في هذه الآية المؤمنين وأمرهم أن يتقوه ومعناه أن يتقوا معاصيه ويجتنبوها ويبتغوا اليه معناه يطلبون إِليه الوسيلة وهي القربة في قول الحسن ومجاهد وقتادة وعطا والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير وأبي وابل. وهي على وزن (فعيلة) من قولهم توسلت اليك أي تقربت قال عنترة ابن شداد:

إِن الرجال لهم اليك وسيلة أن يأخذوك فلجلجي وتخضبي

وقال الآخر:

اذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل

يقال منه سلت أسال أي طلبت وهما يتساولان أي يطلب كل واحد منهما من صاحبه. والأصل الطلب والوسيلة التي ينبغي أن يطلب مثلها.
فان قيل كيف قال تعالى { اتقوا الله } وهو غاية التحذير مع أنه تعالى رغب في الدعاء إِليه وهما كالمتنافرين؟ قيل إِنما قال ذلك لئلا يكون المكلف على غرور من أمره بكثرة نعم الله عليه فيظن أنها موجبة للرضاء عنه فحقيقة الدعاء اليه باتقائه من جهة اجتناب معاصيه والعمل بطاعته. فان قيل هل يجوز أن يتقى المعاقب من أجل عقابه كما يحمد المحسن من أجل إِحسانه. قلنا: لا لأن أصل الاتقاء الحجز بين الشيئين لئلا يصل أحدهما الى الآخر من قولهم اتقاه بالترس. ومنه اتقاه بحقه، فالطاعة له تعالى حاجزة بين العقاب وبين العبد أن يصل إِليه. وأما حمد الانسان، فمجاز لأن المحمود في الحقيقة يستحق الولاية والكرامة.
وقوله: { وجاهدوا في سبيله } أمر منه تعالى بالجهاد في دين الله، لأنه وصلة وطريق الى ثوابه. ويقال لكل شئ وسيلة الى غيره هو طريق إِليه فمن ذلك طاعة الله فهي طريق الى ثوابه. والدليل على الشئ طريق الى العلم به والتعرض للشئ طريق الى الوقوع فيه واللطف طريق الى طاعة الله والجهاد في سبيل الله قد يكون باللسان واليد والقلب والسيف والقول والكتاب.
وقوله: { لعلكم تفلحون } يحتمل أمرين:
أحدهما - اعملوا لتفلحوا ومعناه ويكون غرضكم الصلاح فهذا يصح مع اليقين.
الثاني - اعملوه على رجاء الصلاح به فهذا مع الشك في خلوصه مما يحبطه وهذا الوجه لا يصح إِلا على مذهب من قال بالاحباط. فاما من لا يقول به فلا يصح ذلك فيه غير أنه يمكن أن يقال الشك فيه يجوز أن يكون في هل أوقعه على الوجه المأمور به أم لا؟ لأنه لا حال إِلا وهو يجوز أن يكون فرط فيما أمر به "والمفلحون" هم الفائزون بما فيه غاية صلاح أحوالهم.