التفاسير

< >
عرض

قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ
٥٩
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أمر الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يخاطب أهل الكتاب فيقول لهم { هل تنتقمون منا } وقيل في معناه ثلاثة أقوال: أحدها هل تسخطون. الثاني هل تنكرون. والثالث هل تكرهون، والمعنى متقارب يقول نقم ينقم نقماً ونقم ينقم والاول اكثر قال عبد الله بن قيس الرقيات:

ما نقموا من بني أمية إِلا أنهم يحلمون إِن غضبوا

قال ابن عباس: أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نفر من يهود فيهم أبو ياسر بن أخطب ورافع ابن أبي رافع وغيره، فسألوه عمن يؤمن به من الرسل، فقال أؤمن { { بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل ويعقوب والأسباط وأما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } فلما ذكر عيسى جحدوا نبوته، وقالوا: لا نؤمن به وبمن آمن به، فانزل الله هذه الآية.
وقوله { وإن أكثركم فاسقون } في موضع نصب، لانه مصدر في تقدير بان اكثركم، ولو أستأنفه كان صواباً لكن لم يقرأ به. وقيل في معناه ثلاثة أقوال:
قال الزجاج والفراء هل تكرهون منا إِلا ايماننا وفسقكم، والمعنى ليس هذا مما ينقم.
الثاني - قال الحسن: لفسقكم نقمتم ذلك علينا.
الثالث - قال أبو علي: نقموا فسق اكثرهم، لانهم لم يتابعوهم عليه. فان قيل كيف قال: { وإن أكثركم فاسقون } وهم جميعاً فساق؟ قلنا عنه ثلاثة اجوبة:
أحدها أنهم خارجون عن أمر الله طلباً للرئاسة وحسداً على منزلة النبوة.
الثاني - فاسقون بركوب الاهواء. الثالث - على التلطف للاستدعاء.
ومعنى الآية هل تكرهون إِلا ايماننا وفسقكم أي انما كرهتم ايماننا وانتم تعلمون أنا على حق، لانكم فسقتم بأن اقمتم على دينكم لمحبتكم الرئاسة وتكسبكم بها الاموال.
فان قيل كيف يعلم عاقل أن دينا من الاديان حق فيؤثر الباطل على على الحق؟!
قلنا: أكثر ما نشاهده كذلك، من ذلك أن الانسان يعلم ان القتل يورده النار، فيقتل إما إِيثاراً لشفاء غيظ أو لاخذ مال. وكما فعل ابليس مع علمه بأن الله يدخله النار بمعصيته فآثر هواه على القربة من الله وعمل لما يدخله النار. وهذا ظاهر في العادات.