التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
٦٩
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

أخبر الله تعالى أن الذين صدقوا الله وأقروا بنبوة نبيه (صلى الله عليه وسلم) { والذين هادوا } يعني الذين اعتقدوا اليهودية ونبوة موسى، وتأييد شرعه { والصابئون } وهو جمع صابئ، وهو الخارج عن دين عليه امَّة عظيمة من الناس الى ما عليه فرقة قليلة، وهم عباد الكواكب. وعندنا لا يؤخذ منهم الجزية. وعند المخالفين يجرون مجرى أهل الكتاب وصبأ ناب البعير وسن الصبي إِذا خرج. وضبأ - بالضاد المعجمة - معناه اختبأ في الأرض، ومنه اشتق ضابي البرجمي. و { النصارى } وهم الذين يقرون بالمسيح (ع) وقوله: { من آمن بالله } قيل فيه قولان:
أحدهما - يعني الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، وهم المنافقون ذكره الزجاج.
الثاني - من دام على الايمان والاخلاص ولم يرتد عن الاسلام.
وقيل في معنى رفع الصابئين ثلاثة أقوال: أحدها - قال سيبويه: إِنه على التقديم والتأخير والتقدير: ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والصابئون كذلك. قال الشاعر:

وإِلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا في شقاق

والمعنى فاعلموا انا بغاة ما بقينا في شقاق وأنتم كذلك. وقال ضابئ البرجمي:

فمن يك أمسى بالمدينة رحله فاني وقياربها لغريب

والثاني - قال الكسائي هو عطف على الضمير في { هادوا } وكأنه قال هادوا هم والصابئون. قال الرماني هذا غلط من وجهين: أحدهما ان الصابئ لا يشارك اليهود في اليهودية. والآخر أنه عطف على الضمير المتصل من غير تأكيد بالمنفصل.
والثالث قال الفراء: إِنه عطف على ما لا يتبين فيه الاعراب وهو { الذين } ويجوز النسق على مثل { الذين } وعلى المضمر نحو اني وزيد قائمان، فعطف على موضع { أن }.
وقوله { وعمل صالحاً } فالعمل والفعل واحد. وقال الرماني: فعل الشئ إِحداثه وايجاده بعد أن لم يكن وعمله إِحداث ما يكون به متغيراًَ سواء كان إِحداثه نفسه أو احداث حادث فيه.
وقوله تعالى { فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } مع ما يمر بهم من أجل يوم القيامة لأمرين: أحدهما - أن ذلك لا يعتد به لأنه عارض، ثم يصيرون الى النعيم الدائم. ومنه قوله
{ { لا يحزنهم الفزع الأكبر } وهو عذاب النار كما يقال للمريض لا بأس عليك. الثاني أن أهوال يوم القيامة إِنما تنال الضالين دون المؤمنون. والأول أقوى لعموم قوله: { يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم)أن الناس يلجمهم العرق. وانهم يحشرون حفاة عراة عزلا، فقالت عائشة لا يحتشمون من ذلك، فقال (صلى الله عليه وسلم): { { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } فأما قوله { من آمن بالله } وقد ذكر الذين آمنوا، فلأن المعني بالذين آمنوا ها هنا - في قول الزجاج - المنافقون بدلالة قوله { لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } والتقدير من آمن منهم. وقال قوم: من آمن يرجع الى من عدا الذين آمنوا وحمل { الذين آمنوا } على ظاهره من حقيقة الايمان. ومنهم من قال: يرجع الى الجميع ويكون المعنى في { من آمن } من يستديم على الايمان ويستمر عليه. وقد استوفينا ما يتعلق بذلك في سورة البقرة.