التفاسير

< >
عرض

لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ
٧٨
-المائدة

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قيل في معنى { لعن الذين كفروا من بني إسرائيل } الآية ثلاثة أقوال:
أحدها - إِيآسهم من مغفرة الله مع الاقامة على الكفر والمعصية لله - عز وجل - لدعاء الأنبياء (عليهم السلام) عليهم بالعقوبة ودعوتهم مستجابة مع ما في ذلك من الفضيحة، وانطواء أولياء الله لهم على العداوة، والمظاهرة عليهم في إِقامة الحجة.
الثاني - قال الحسن ومجاهد وقتادة وأبو مالك لعنوا على لسان داود، فصاروا قردة وعلى لسان عيسى، فصاروا خنازير. وانما ذكر عيسى وداود، لأنهما انبه الأنبياء المبعوثين بعد موسى (ع) ولما ذكر داود أغنى عن ذكر سليمان، لأن قولهما واحد. وقال أبو جعفر (ع) أما داود فلعن أهل ايلة لما اعتدوا في سبتهم وكان اعتداؤهم في زمانه، فقال: اللهم البسهم اللعنة مثل الرداء ومثل المنطقة على الحقوين، فمسخهم الله قردة. وأما عيسى فلعن الذين أنزلت عليهم المائدة ثم كفروا بعد ذلك.
الثالث - قال أبو علي الجبائي: إِنه إِنما أظهر ذلك لئلا يوهموا الناس أن لهم منزلة بولادة الأنبياء تنجيهم من عقوبة المعاصي.
واللعن هو الابعاد من رحمة الله، فلعنه الله يعني أبعده الله من رحمته الى عقوبته، ولا يجوز لعن من لا يستحق العقوبة من الاطفال والمجانين والبهائم، لانه تعالى لا يبعد من رحمته من لا يستحق الابعاد عنها. وقوله: { ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون } إِشارة الى اللعن الذي تقدم ذكره بمعصيتهم واعتدائهم.
فـ (ذا) لما قرب و { ذلك } لما بعد، لأنه اجتزئ في دلالة الخطاب لما قرب بالاقبال عليه. وفي القريب بالاشارة اليه فلما بعد لم يصلح الاجتزاء فيهما كما يصلح فيما قرب، فاتى بالكاف للخطاب واكد ذلك باللام وكسرت لالتقاء الساكنين والكاف في ذلك حرف وفي غلامك إِسم، ولهذا لم يؤكد بما يؤكد في غلامك لأنك لا تقول ذلك نفسك. كما تقول في غلامك نفسك. وإِنما قال: { بماعصوا وكانوا يعتدون } وإِن كان الكفر أعظم الاجرام ليدل على أن من خلصت معصيته مما يكفرها أو بقته، وأنهم مع كفرهم قد عصوا بغير الكفر من الجرم الذي فسر في الآية التي بعد.