التفاسير

< >
عرض

وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
١٠٥
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن كثير وابو عمرو { دارست } بألف وفتح التاء. الباقون بلا الف { درست } بفتح التاء، الا ابن عامر فانه قرأ { درست } بسكون التاء وفتح السين بمعنى (انمحت) وذكر الاخفش { درست } وهو أشد مبالغة في الامحاء وقيل { درست } على ما لم يسم فاعله. والمعاني متقاربة غير ان هذين لم يقرأ بهما أحد من المعروفين. وفي قراءة عبد الله { درس } أي ليقولوا درس محمد. قال أبو زيد: درست أدرس دراسة وهي القراءة. وانما يقال ذلك اذا قرأت على غيرك. قال الاصمعي أنشدني ابن ميادة:

يكفيك من بعض إِزديار الآفاق سمراء مما درس ابن مخراق

يقال درس يدرس مثل داس يدوس. قال: وقال بعضهم: سمراء ناقته، ودرسها رياضها قال ودرس السورة من هذا أي يدرسها لتخف على لسانه، والدريس الثوب الخلق، وأصل الدرس استمرار التلاوة. وقال ابو علي النحوي: من قرأ { دارست } معناه أهل الكتاب وذاكرتهم، قال وقد يحذف الالف في مثل هذا في المصحف. قال ويقوي ذلك قوله { وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا } وقالوا { إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون } ومن قرأ { درست } قال لان أبيَّا وابن مسعود قرءا به فاسندا الفعل فيه الى الغيبة كما اسند الى الخطاب ومعناه درست فتعلمت من أهل الكتاب. وقال المغربي: درست معناه علمت كما قال { ودرسوا ما فيه } أي علموه فعلى هذا يكون اللام لام الغرض، كأنه قال فعلنا ذلك ليقولوا علمت. ووجه قراءة ابن عامر انه ذهب الى الدرس الذي هو تعفية الاثر وإِمحاء الرسم. واللام من قوله { وليقولوا درست } على ضربين:
من قال { درست } بلا الف، فالمعنى لكراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا: درست، كما قال
{ يبين الله لكم أن تضلوا } ومعناه لئلا تضلوا وكراهة ان تضلوا، والمعنى اني فصلت الآيات وأحكمتها لئلا يقولوا: انها أخبار قد تقدمت وطال العهد بها وباد من كان يعرفها، كما قالوا { أساطير الأولين } لان تلك الاخبار لا تخلو من خلل فاذا سلم الكتاب منه لم يكن لطاعن موضع طعن.
والثاني - ليقولوا (درست) ذلك بحضرتنا أي ليقروا بورود الآية عليهم فتقوم الحجة عليهم.
وقال الزجاج: اللام لام العاقبة ومن قرأ { دارست } فاللام على قوله كالتي في قوله
{ ليكون لهم عدوا وحزنا } ولم يلتقطوه لذلك لكن كان عاقبته كذلك كما أنه تعالى لم يفصل الآيات ليقولوا دارست ودرست. لكن لما قالوا ذلك أطلق ذلك عليه اتساعا.
وموضع الكاف في وكذلك نصب، لان المعنى نصرف الآيات في غير هذه السورة مثل التصريف في هذه السورة، فهو في موضع صفة المصدر كأنه قال تصريفا مثل هذا التصريف. قال الرماني: التصريف اجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة ليجتمع فيه وجوه الفائدة.
وقال الحسن ومجاهد والسدي وابن عباس وسعيد بن جبير { دارست } أي ذاكرت أهل الكتابين وقارأتهم، وقوله { ولنبيِّنه لقوم يعلمون } معناه لنبين الذي هذه الآيات دالة عليه لقوم يعلمون ما نورده عليهم من هذه الآيات، ويعقلون ذلك وهم الذين يلزمهم الاستدلال بذلك على الله وعلى صحة دينه.
وقال قوم { ليقولوا درست } معناه التهديد كما يقول القائل: قل لفلان: يوفينا حقنا وليصنع ما شاء، وقل للناس الحق وليقولوا ما شاؤا أي ذلك لا يضرك، ولان ضرره يعود عليهم من العقاب والذم.