التفاسير

< >
عرض

أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَٰهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي ٱلنَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي ٱلظُّلُمَٰتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَٰفِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
١٢٢
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ أهل المدينة ويعقوب { ميتا } بالتشديد. الباقون بالتخفيف. قال أبو عبيدة الميتة مخففة ومثقلة معناهما واحد، وانما خفف إِستثقالا، قال ابن الرعلاء الغساني:

ليس من مات فاستراح بميت انما الميت ميت الاحياء
انما الميت من يعيش كئيبا كاسفا باله قليل الرجاء

وقد وصف الله الكفار بأنهم أموات بقوله { أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون } وكذلك { أو من كان ميتا فاحييناه } والمعنى من كان ميتا بالكفر فصار حيا بالاسلام بعد الكفر، كالمصر على كفره؟!
وقوله { وجعلنا له نورا يمشي به في الناس } يحتمل امرين:
أحدهما - أن يراد به النور المذكور في قوله يسعى
{ نورهم بين أيديهم } } وقوله { يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم } } الثاني - أن يراد بالنور الاحكام التي يؤتاها المسلم باسلامه، لانه اذا جعل الكافر بكفره في الظلمات فالمؤمن بخلافه.
ومن خفف حذف الياء الثانية المنقلبة عن الواو، أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب
اختلفوا في من نزلت هذه الآية، فقال ابن عباس والحسن وغيرهما من المفسرين: نزلت في كل مؤمن وكافر. وقال عكرمة: نزلت في عمار بن ياسر وابي جهل، وهو قوله ابي جعفر (ع). وقال الضحاك: نزلت في عمر بن الخطاب وقال الزجاج: نزلت في النبي (صلى الله عليه وسلم) وأبي جهل. والاول أعم فائدة، لانه يدخل فيه جميع ما قالوه.
بين الله تعالى أن { من كان ميتا } يعني كافرا { فأحييناه } يعني وفقناه للايمان، فآمن أو صادفناه مؤمنا بأن آمن، لان الاحياء بعد الإِماتة - ها هنا - هو الاخراج من الكفر الى الايمان عند جميع أهل العلم: كابن عباس والحسن ومجاهد والبلخي والجبائي وغيرهم.
وقوله { وجعلنا له نورا يمشي به في الناس } يعني جعلنا له علما، فسمى العلم نورا وحياة، والجهل ظلمة وموتا، لان العلم يهتدى به الى الرشاد، كما يهتدى بالنور في الظلمات، وتدرك به الامور كما تدرك بالحياة. والظلمة كالجهل لانه يؤدي الى الحيرة والهلكة، والموت كالجهل في أنه لا تدرك به حقيقة. وانما قال { كمن مثله في الظلمات } ولم يقل كمن هو في الظلمات، لان التقدير كمن مثله مثل من في الظلمات ويجوز أن يدل بأن مثله في الظلمات على أنه في الظلمات الا انه يزيد فائدة أنه ممن يضرب به المثل في ذلك.
وقيل في المراد بالنور الذي يمشي به في الناس قولان:
أحدهما - قال الحسن: وهو القرآن. وقال غيره: هو الايمان الذي لطف له به.
ووجه التشبيه في قوله { كذلك زين للكافرين } أي زين لهؤلاء الكفر، فعملوه كما زين لأولئك الايمان فعملوه، فشبهت حال هؤلاء في التزيين بحال أولئك فيه، كما قال
{ كل حزب بما لديهم فرحون } وانما زين الله تعالى الايمان عند المؤمنين، وزين الغواة من الشياطين وغيرهم الكفر عند الكافرين وهو قول الحسن وأبي علي والرماني والبلخي وغيرهم.
وفي الآية دلالة على وجوب طلب العلم، لانه تعالى رغب فيه بأن جعله كالحياة في الادراك بها والنور في الاهتداء به.