التفاسير

< >
عرض

وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
٢٦
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

وقوله { وهم } كناية عن الكفار الذين تقدم ذكرهم عند أكثر المفسرين: الجبائي والبلخي وغيرهم. وقال قوم: نزلت في أبي لهب، لانه كان يتبعه في المواسم فينهى الناس عن أذاه وينأى عن اتباعه. والاول أشبه بسياق الآية. وقيل: نزلت في أبي طالب، وهذا باطل عندنا، لانه دل الدليل على إِيمانه بما ثبت عنه من شعره المعروف وأقاويله المشهورة الدالة على أعترافه بالنبي (صلى الله عليه وسلم). وقال مجاهد: نزلت في قريش.
بين الله تعالى أن هؤلاء الكفار الذين ذكرهم كانوا ينهون عن اتباع القرآن، وقبوله والتصديق بنبوة نبيه، ويبعدون عنه، لان معنى (ينأون) يبعدون الى حيث لا يسمعونه خوفاً من أن يسبق الى قلوبهم الايمان به والعلم بصحته.
وقوله { وإن يهلكون إلا أنفسهم } معناه ليس يهلكون إِلا أنفسهم { وما يشعرون } انهم ما يهلكون بنهيهم عن قبوله، وبعدهم عنه { إلا أنفسهم } لانهم لا يعلمون اهلاكهم اياها بذلك وإِهلاكهم اياهاهو ما يستحقون به الصيرورة الى العذاب الابدي في النار. وهل هناك هلاك أعظم من ذلك؟!. والنأي: البعد "ينأون" أي يتباعدون عنه، تقول نأيت عن الشىء أنأى نأيا، اذا بعدت عنه. والنؤي حاجز يجعل حول البيت من الخوف لان لا يدخله الماء من خارج يحفر حفرة حول البيت فيجعل ترابها على شفير الحفيرة، فيمنع التراب الماء أن يدخل من خارج، وهو مأخوذ من النأي، أي تباعد الماء عن البيت.
وفي الآية دلالة على بطلان قول من قال معرفة الله ضرورة، وأن من لا يعرف الله ولا يعرف نبيه لا حجة عليه، لان الله بين أن هؤلاء الكفار قد أهلكوا أنفسهم بنهيهم عن قبول القرآن وتباعدهم عنه وانهم لا يشعرون ولا يعلمون باهلاكهم أنفسهم بذلك، فلو كان من لا يعرف الله ولا نبيه ولا دينه لا حجة عليه، لكانوا هؤلاء معذورين ولم يكونوا هالكين وذلك خلاف ما نطق به القرآن.