التفاسير

< >
عرض

وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَدَاةِ وَٱلْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ
٥٢
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

قرأ ابن عامر { بالغدوة } هنا وفى الكهف - بضم الغين واسكان الدال واثبات واو بعدها. الباقون بفتح الغين والدال واثبات الف بعد الدال.
سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن مسعود وغيره: ان ملأ من قريش - وقال الفراء: من الكفار، منهم عيينة بن حصين الغزاي - دخلوا على النبي (صلى الله عليه وسلم) وعنده بلال وسلمان وصهيب وعمار، وغيرهم، فقال عيينة بن حصين يا رسول الله لو نحيت هؤلاء عنك، لاتاك أشراف قومك، وأسلموا، وكان ذلك خديعة منهم له وكان الله تعالى عالما ببواطنهم.
فأمر الله نبيه ان { لا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي } يعني انه نهاه عن طردهم لانهم يريدون باسلامهم ودعائهم وجه الله. قال الضحاك: { يدعون ربهم بالغداة والعشي } يعني بذلك الصلاة المفروضة في هذين الوقتين وقال ابراهيم هم اهل الذكر. وقال قوم: الدعاء ها هنا هو التحميد والتسبيح.
وقوله: { يريدون وجهه } شهادة للمعنيين بالآية بالاخلاص وانهم يريدون بعبادتهم الله خالصا.
وقال البلخي: قراءة ابن عامر غلط، لان العرب اذا ادخلت الالف واللام قالوا: الغداة يقولون: رأيتك بالغداة، ولا يقولون بالغدوة، فاذا نزعوا الالف واللام قالوا رأيتك غدوة. وانما كتبت واو في المصحف، كما كتبوا الصلاة والزكاة والحياة كذلك.
قال ابو علي الفارسى: الوجه الغداة، لانها تستعمل نكرة وتتعرف باللام فأما غدوة فمعرفة أبدا، وهو علم صيغ له. قال سيبويه: غدوة وبكرة جعل كل واحد منهما اسما للجنس كما جعلوا أم حنين اسما لدابة معروفة، كذلك هذا
ووجه قراءة ابن عامر أن سيبويه قال زعم الخليل أنه يجوز ان تقول أتيتك اليوم غدوة وبكرة، فجعلها بمنزلة ضحوة.
وقوله { فتطردهم } نصب الدال، لانه جواب النفي في قوله: { ما عليك من حسابهم } ونصب فيكون لانه جواب لقوله: { ولا تطرد الذين.. فتكون من الظالمين.. ما عليك من حسابهم من شيء } قال قوم يعني من حساب رزقهم في الدنيا ليس رزقهم في يدك ولا رزقك في أيديهم، بل الله رازق الجميع.
وقال الجبائي وهو الاظهر: ما عليك من اعمالهم، ولا عليهم من أعمالك، بل كل واحد يؤاخذ بعمله، ويجازي على فعله، لا على فعل غيره. وقوله { فتطردهم فتكون من الظالمين } اخبار منه تعالى انه لو طرد كل هؤلاء تقريبا الى الكبراء منهم كان بذلك ظالما. والنبي (صلى الله عليه وسلم) وان لم يقدم على القبيح جاز ان ينهى عنه، لانه قادر عليه وان كان النهي والزجر يمتنع منه، كما قال تعالى { لئن أشركت ليحبطن عملك } وان كان الشرك مأمونا منه.