التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ
٦١
ثُمَّ رُدُّوۤاْ إِلَىٰ ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ أَلاَ لَهُ ٱلْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ ٱلْحَاسِبِينَ
٦٢
-الأنعام

التبيان الجامع لعلوم القرآن

كلهم قرأ { توفته رسلنا } بالتاء الا حمزة فانه قرأ "توفاه". وحجة من قرأ بالتاء قوله { كذبت رسل من قبلك } وقوله { إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم } و { جاءتهم رسلهم بالبينات } و { قالت رسلهم } وحجة حمزة انه فعل متقدم مسند الى مؤنث غير حقيقي. وانما التأنيث للجمع، فهو مثل قوله { وقال نسوة في المدينة } وما أشبه ذلك مما يأتيه تأنيث الجمع، قال وليس ذلك خلافا للمصحف، لان الالف الممالة تكتب ياء.
وقوله { وهو القاهر } معناه والله المتقدر المستعلي على عباده الذين هو فوقهم لا على أنه في مكان مرتفع فوقهم وفوق مكانهم، لان ذلك لا يجوز عليه، لانه صفة للاجسام. ومثله في اللغة أمر فلان فوق أمر فلان، يراد به أنه أعلى امرا، وانفذ قولا. ومثله قوله تعالى
{ يد الله فوق أيديهم } والمراد أنه أقوى واقدر منهم وانه القاهر لهم.
وقوله: { ويرسل عليكم حفظة } يعني يرسل عليكم ملائكة يحفظون أعمالكم ويحصونها عليكم ويكتبونها ليعلموا بذلك أن عليهم رقيبا من عند الله ومحصيا عليهم فينزجروا عن المعاصي. وبين ان هؤلاء الحفظة هم شهداء عليكم بهذه الاعمال يوم القيامة.
وقوله { حتى إذا جاء أحدكم الموت } يعني وقت الموت { توفته رسلنا } يعني قبضت الملائكة روح المتوفى، وهم رسل الله الذين عناهم الله بهذه الآية. وقال الحسن: { توفته رسلنا } قال هو ملك الموت وأعوانه وأنهم لا يعلمون آجال العباد حتى يأتيهم علم ذلك من قبل الله بقبض أرواح العباد. وقوله: { توفته رسلنا } أي تقبضه، والتوفى هو القبض على مابيناه. ثم إن هؤلاء الرسل { لا يفرطون } أي لا يقصرون - في قول الزجاج - ولا يغفلون، ولا يتوانون. وقال الجبائي: لا يأخذون روحه قبل أجله ويبادرون الى ما أمروا به عن غير تقصير، ولا تفريط. والمعنى في التوفي ان يعلم العباد أنهم يحصون اذا ماتوا فلا يرون أنهم يهملون اذا ماتوا وأن احداً منهم لا يثبت ذكره ليجزى بعمله.
ثم بين ان هؤلاء الذين تتوفاهم رسلنا يردون بعد الوفاة الى الله فيردهم الى الموضع الذي لا يملك الحكم عليهم فيه الا الله ولا يملك نفعهم ولا ضرهم سواه فجعل ردهم الى ذلك الموضع ردا الى الله، وبين أنه هو { مولاهم الحق } لانه خالقهم ومالكهم، والقاهر عليهم القادر على نفعهم وضرهم، ولا يجوز ان يوصف بهذه الصفة سواه، فلذلك كان مولاهم الحق. وقال البلخي: (الحق) اسم من اسماء الله وهو خفض، لانه نعت لله، ويجوز الرفع على معنى الله مولاهم الحق، ويجوز ان ينصب على معنى يعني مولاهم، والقراءة بالخفض.
وقوله: { ألا له الحكم } معناه ألا يعلمون أو ألا يقرون ان الحكم يوم القيامة هو له وحده؟، ولا يملك الحكم في ذلك اليوم سواه، كما قد يملك الحكم في الدنيا غيره بتمليك الله اياه.
وقوله: { وهو أسرع الحاسبين } روي أنه تعالى يحاسب عباده على مقدار حلب شاة، وذلك يدل على أنه لا يحتاج ان يكلفهم مشقة وآلة على ما يقوله المشبهة، لانه لو كان كذلك لاحتاج ان يتطاول زمان محاسبته أو أنه يشغله محاسبته عن محاسبة غيره. وروي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قيل له: كيف يحاسب الله الخلق وهم لا يرونه؟ قال: كما يرزقهم ولا يرونه.
والمعنى في الآية أنه تعالى أحصى الحاسبين لما أحصى الملائكة وتوفوا من الانفس لا يخفى عليه من ذلك خافية ولا يحتاج في عده الى فكر ونظر.