التفاسير

< >
عرض

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِّنَ ٱلسَّاجِدِينَ
١١
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا خطاب من الله تعالى لخلقه بأنه خلقهم. والخلق هو احداث الشيء على تقدير تقتضيه الحكمة، لا زيادة على ما تقتضيه، فيخرج الى الاسراف، ولا ناقص عنه فيخرج الى الاقتار. وقد استوفينا اختلاف الصور، والصورة بنية مقومة على هيئة ظاهرة.
وقوله { ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } فالسجود هو وضع الجبهة على الارض واصله الانخفاض من قول الشاعر:

ترى الا كم فيها سجدا للحوافر

وقيل فى معنى السجود لآدم قولان:
احدهما - انه كان تكرمة لآدم وعبادة لله، لان عبادة غير الله قبيحة لا يأمر الله بها. وعند اصحابنا كان ذلك دلالة على تفضيل آدم على الملائكة على ما بينا في سورة البقرة. وقال أبو علي الجبائي: امروا ان يجعلوه قبله، وأنكر ذلك بكر بن أحمد بن علي الاخشاد بأن قال: هو تكرمة. لأن الله تعالى امتن به على عباده، وذكرهم بالنعمة فيه. فان قيل كيف قال { ثم قلنا للملائكة } مع أن القول للملائكة كان قبل خلقنا وتصويرنا؟
قلنا عن ذلك ثلاثة أجوبة:
احدها - قال الحسن وابو علي الجبائي: المراد به خلقنا اياكم ثم صورنا اياكم. ثم قلنا للملائكة، وهذا كما يذكر المخاطب ويراد به أسلافه، وذكرنا لذلك نظائر فيما مضى، منها قوله
{ { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور } أي ميثاق اسلافكم. قال الزجاج المعنى ابتدائا خلقكم بأن خلقنا آدم، ثم صورناه، ثم قلنا.
الثاني - قال ابن عباس ومجاهد والربيع وقتادة والضحاك والسدي: ان المعنى خلقنا آدم ثم صورناكم في ظهره. ثم قلنا للملائكة.
الثالث - خلقناكم ثم صورناكم ثم إِنا نخبركم أنا قلنا للملائكة، كم تقول: اني راحل ثم اني معجل. وقال الاخفش (ثم) ها هنا بمعنى الواو، كما قال { ثم الله شهيد على ما تعملون } ومثله قوله
{ { ثم كان من الذين آمنوا } على قول بعض المتأخرين معناه وكان من الذين آمنوا، ومثله { { استغفروا ربكم ثم توبوا إليه } على بعض الاقوال معناه وتوبوا اليه، قال الزجاج هذا خطأ عند جميع النحويين. وقال الشاعر:

سألت ربيعة من خيرها ابا ثم اما فقالوا لمه

معناه سألت اولا عن الاب ثم الام. وقال بعضهم: معناه خلقناكم في ظهور آبائكم ثم صورناكم في بطون امهاتكم. وقال قوم: في الآية تقديم وتأخير، وتقديره خلقناكم بمعنى خلقنا أباكم أي قدرناكم. ثم قلنا للملائكة اسجدوا. ثم صورناكم.