التفاسير

< >
عرض

قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ
١١٥
قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ
١١٦
-الأعراف

التبيان الجامع لعلوم القرآن

هذا حكاية قول السحرة أنهم قالوا لموسى اختر أحد شيئين إِما أن تلقي أنت عصاك أو نحن نلقي عصيَّنا، وانما دخلت (أن) في قوله { إِما أن تلقي } ولم تدخل في { إِما يعذبهم وإما يتوب عليهم } لأن فيه معنى الأمر كأنهم قالوا: اختر إِما أن تلقي أي إِما القاؤك وإِما القاؤنا، ومثله { إِما أن تعذب وإِما أن تتخذ فيهم حسنا } فموضع (ان) نصب، ويجوز أيضا ان يكون التقدير إِما إِلقاؤك مبدوء به وإِما القاؤنا، ويجوز أن تقول: يا زيد اما أن تقوم أو تقعد، ولا يجوز أن تقول يا زيد ان تقوم أو تقعد، لأن (إِما) يبتدأ بالمعنى فيها أي بمعنى التخيير، فلذلك تدل على معنى اختر، وليس كذا (أو) وقد يقع موقع (اما) وليس بجيد، كما قال الشاعر:

فقلت لهن امشين إِما نلاقه كما قال او تشفى النفوس فنعذرا

وقال ذو الرمة:

فكيف بنفس كلما قلت أشرفت على البرء من حوصاء هيض اندمالها
تهاض بدار قد تقادم عهدها واما بأموات ألمَّ خيالها

على أن يلقي أحدنا فيبطل ما أتى به الآخر.
وقوله { ألقوا } حكاية عن قول موسى (ع) للسحرة (ألقوا) أنتم { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } قال البلخي: معناه غشُّوا أعين الناس، وقال: السحر هو الخفة، والافراط فيها حتى تخيل بها الاشياء عن الحقيقة والاحتيال بما يخفى على كثير من الناس كتغييرهم الطرجهالة والحيلة فيها ان يجعل (الطرجهالة) طاقين ويرقق بغاية الترقيق، ويجعل بين الطبقتين زيبق، فاذا وضعت في الشمس حمي الزيبق فسار بالطرجهالة، لأن من طبع الزيبق اذا حمي ان يتحرك ويفارق مكانه.
وقال قوم: معناه خيلوا الى أعين الناس بما فعلوه من لتخييل والخدع أنها تسعى، كما قال تعالى
{ يخيل إِليه من سحرهم أنها تسعى } وقال الرماني: معنى سحر الاعين قلبها عن صحة إِدراكها بما يتخيل من الامور المموهة لها بلطف الحيلة التي تجري مجرى الخفة والشعبذة مما لا يرجع الى حقيقة، والمحدث لهذا التخيل هو الله تعالى عندما أظهروا من تلك المخاريق وإِنما نسب اليهم لأنهم لو لم يعرضوا بما يعملونه لم يقع، كما لو جعل أحد طفلاً تحت البرد، فمات، فهو القاتل له في الحكم، والله تعالى أماته، وإِنما جاز من موسى (ع) أن يأمرهم بالقاء السحر وهو كفر لأمرين:
أحدهما - إِن كنتم محقين فالقوا.
الثاني - القوا على ما يصح ويجوز، لا على ما يفسد ويستحيل.
وقال الجبائي: هذا على وجه الزجر لهم والتهديد، وليس بأمر.
وقوله { فلما ألقوا سحروا أعين الناس } والفرق بين (لما) و (إِذا) هو الفرق بين (لو) و (أن) فى ان أحدهما للماضي والآخر للمستقبل، وكل هذه الأربعة تعليق أول بثان، الا ان (لو) على طريقة الشك، و (لما) يقين.
وقوله { واسترهبوهم } معناه طلبوا منهم الرهبة، وهو خلاف الارهاب، لأنه جعل الرهبة للذي يرهب، والعظيم ما يملأ الصدر بهوله، ووصف السحر بأنه عظيم لبعد مرام الحيلة فيه، وشدة التمويه به، فهو لذلك عظيم الشأن عند من يراه من الناس، ولأنه على ما ذكرناه من الخلاف في عدة السحرة من سبعين ألفاً أو ثمانين الفاً كان مع كل واحد حبل وعصا، فلما ألقوها وخيل الى الناس أنها تسعى استعظموا ذلك وخافوه، فلذلك وصفه الله بأنه سحر عظيم.
و (إِما) اذا كانت للتخيير، فأهل الحجاز ومن جاورهم من قيس وبعض تميم يكسرونها وينصبها قيس وأسد و (أما) اذا كانت منصوبة فهي التي يقتضي أن يكون في جوابها الفاء.